الآلهة والأوثان، وأنّ نمرودَ لما تطاول عُتُوُه وتمرّده علي ربِّه مع إملاء الله تعالى له -فيما ذكر- أربعمئة عام، لا تزيده حجج الله التي يحتجَّ بها عليه، وعبرُه التي يُريها إياه إلا تماديًا في غيّه، عذبه الله -فيما ذكر- في عاجل دنياه قدر إملائه إياه من المدة بأضعف خلْقه، وذلك بعوضة سلطها عليه [توغلت في خياشيمه فمكث أربعمئة سنة يعذب بها في حياته الدنيا](١). (١: ٢٨٧).
ذكر الأخبار الواردة عنه بما ذكرت من جهله وما أحلّ الله به من نقمته:
٤٧١ - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزَّاق، قال: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم: أنّ أولَ جبار كان في الأرض نُمرود، وكان الناس يخرجون فيمتارون من عنده الطعام، فخرج إبراهيم يمتارُ مع من يمتارُ، فإذا مرّ به ناس قال: مَنْ ربُّكم؟ قالوا: أنت، حتى مرّ به إبراهيم، قال: من ربك؟ قال:{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَال أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَال إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}.
قال: فردَّه بغير طعام، قال: فرجع إبراهيمُ إلي أهله فمرَّ علي كثيب أعفر، فقال: هلّا آخذُ من هذا فآتيَ به أهلي فتطيبَ أنفسهم حين أدخل عليهم! فأخذ منه، فأتي أهلَه. قال: فوضع متاعه ثم نام، فقامت امرأتُه إلي متاعه ففتحته فإذا هي بأجود طعام رآه أحدٌ، فصنعت له منه، فقرّبته إليه -وكان عهد أهله ليس عندهم طعام- فقال: منْ أين هذا؟ قالت: من الطعام الذي جئتَ به، فعلم أن الله قد رزقه، فحمِد الله.
ثم بعث الله إلي الجبار مَلَكًا: أن آمنْ بي وأتركك علي ملكك، قال: فهل ربّ غيري؟ فجاءه الثانية فقال له ذلك، فأبي عليه، ثم أتاه الثالثة فأبي عليه، فقال له المَلك: اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام، فجمع الجبّار جموعَه، فأمر الله الملك، ففتح عليهم بابا من البَعوض، فطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها، فبعثها الله عليهم، فأكلت لحومَهم وشربت دماءهم، فلم يبق إلا العظام، والملك كما هو لم يُصبْه من ذلك شيء، فبعث الله عليه بعوضةً فدخلتْ في منخره، فمكث أربعمئة سنة يُضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به مَنْ جمع يديه ثم ضرب