الضحاك. وقد قال بعض مَنْ أشكل عليه أمر نمرود ممن عرف زمان الضحاك وأسبابه فلم يدر كيف الأمر في ذلك مع سماعه ما انتهي إليه من الأخبار عمن رُوي عنه: أنه قال: ملك الأرض كافران ومؤمنان، فأمّا الكافران فنمرود وبختنصّر، وأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين، وقولَ القائلين من أهل الأخبار: إن الضحاك كان هو ملك شرق الأرض وغربها في عهد إبراهيم نمرود: هو الضحاك، وليس الأمر في ذلك عند أهل العلم بأخبار الأوائل، والمعرفة بالأمور السوالف، كالذي ظَنّ، لأن نسب نمرودَ في النَّبَط معروف، ونسب الضحاك في عَجم الفرس مشهور، ولكنَّ ذوي العلم بأخبار الماضين وأهل المعرفة بأمور السالفين من الأمم ذكروا: أن الضّحاك كان ضمّ إلي نمرود السَّواد وما اتصل به يمنة ويَسرة، وجعله وولده عُمّاله علي ذلك، وكان هو يتنقَّل في البلاد، وكان وطنه الذي هو وطنُه ووطن أجداده دُنْباوند، من جبال طَبرستان، وهنالك رمي به أفريدُون حين ظفر به وقهره موثقًا بالحديد، وكذلك بختنصّر كان أصبهبذ ما بين الأهواز إلي أرض الروم من غربي دجلة من قبل لُهراسب، وذلك أنّ لُهراسب كان مشتغلًا بقتال الترك، مقيمًا بإزائهم ببلْخ، وهو بَناها -فيما قيل- لمَّا تطاول مكثُه هنالك لحرب الترك، فظنّ مَنْ لم يكن عالمًا بأمور القوم بتطاول مدة ولايتهم أمرَ الناحية لمن ولوا له: أنهم كانوا هم الملوك، ولم يدَّع أحدٌ من أهل العلم بأمور الأوائل وأخبار الملوك الماضية وأيام الناس فيما نعلمه أن أحدًا من النَّبط كان ملكًا برأسه علي شِبْرٍ من الأرض، فكيف يملكُ شرق الأرض وغربها! ولكنَّ العلماء من أهل الكتاب وأهل المعرفة بأخبار الماضين ومن قد عاني النظر في كتب التأريخات، يزعمون: أن ولاية نمرود إقليمَ بابل من قبَل الازدهارق بِيوراسب دامت أربعمئة سنة، ثم لرجل من نسله من بعد هلاك نمرود، يقال له نَبطَ بن قعود مئة سنة، ثم لداوص بن نبط من بعد نبط ثمانين سنة، ثم من بعد داوص بن نبط لبالش بن داوص مئة وعشرين سنة، ثم لنمرود بن بالش من بعد بالش سنة وأشهرًا. فذلك سبعمئة سنة وأشهر، وذلك كله في أيام الضحاك، فلما ملك أفريدُون وقهر الازدهاق قتل نمرود بن بالش وشرّد النَّبَطَ وطردهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، لما كان منهم من معاونتهم بِيوراسب علي أموره، وعَمَل نمرود وولده له.