للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قضى فيه، فلم تزل بنو إسرائيل وهم مجتمعون في ناحية المدينة يمتنعون به من الظلم والسُّخَر التي كانت فيهم، فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى: أريد أن تريني موسى، فوعدتها يومًا تريها إياه فيه، فقالت لحواضنها وظئورها وقهارمتها: لا يبقينّ أحد منكم إلا استقبل ابني بهدية وكرامة، ليرى ذلك، وأنا باعثة أمينة تحصي ما يصنع كلُّ إنسان منكم، فلم تزل الهدية والكرامة والتحف تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون، فلما دخل عليها بجّلته وأكرمته وفرحت به وأعجبها ما رأت من حسن أثرها عليه، وقالت: انطلقن به إلى فرعون فليبجَّله وليكرمه، فلما دخلن به على فرعون وضعنَه في حجره، فتناول موسى لحية فرعون حتى مدَّها، فقال: عدو من أعداء الله! ألا ترى ما وَعبد الله إبراهيمَ أنه سيصرعك ويعلوك! فأرسل إلى الذبّاحين ليذبحوه -وذلك من الفتون يا بن جبير- بعد كلِّ بلاء ابتلي به وأريد به، فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت: ما بدا لك في هذا الصبي الذي وهبتَه لي؟ قال: ألا ترينه يزعم أنه سيصرَعني ويعلُوني! فقالت: اجعل بيني وبينك أمرًا يعرف فيه الحق؛ ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقرّبهن إليه، فإنْ بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين علمت أنه يعقل، وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين فاعلم أن أحدًا لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل، فقرّب ذلك إليه فتناول الجمرتين فنزعوهما منه مخافة أن تحرقا يده، فقالت المرأة: ألا ترى! فصرفه الله عنه بعدما كان قد همَّ به، وكان الله بالغًا فيه أمره، فلما بلغ أشدّه وكان من الرجال لم يكن أحدٌ من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم ولا سخرة، حتى امتنعوا كلّ امتناع، فبينما هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان؛ أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون، فاستغاثه الإسرائيليّ على الفرعونيّ، فغضب موسى واشتدّ غضبهُ لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظَه لهم، ولا يعلم الناس إلا أنما ذلك من قبل الرضاعة غير أم موسى؛ إلا أن يكون الله عزّ وجلّ أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع عليه غيره، فوكز موسى الفرعونيّ فقتله، وليس يراهما إلا الله عزّ وجلى والإسرائيليّ، فقال موسى حين قتل الرجل: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}، ثم قال: {قَال رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. فأصبح في المدينة خائفًا يترقّب الأخبار فأتى فرعون فقيل له: إن بني إسرائيل قد

<<  <  ج: ص:  >  >>