فرعون هو وأخوه هارون، حتى وقفا على باب فرْعون يلتمسان الإذنَ عليه، وهما يقولان: إنا رسولا رب العالمين، فآذِنوا بنا هذا الرجل، فمكثا -فيما بلغنا- سنتين يغدوَان على بابه، ويرُوحان لا يعلم بهما، ولا يجترئ أحد على أن يخبره بشأنهما، حتى دخل عليه بَطّال له يلعّبه ويضحكه، فقال له: أيها الملك، إنّ على الباب رجلًا يقول قولًا عجيبًا، يزعم أنّ له إلهًا غيرُك، قال: أدْخِلوه، فدخل ومعه هارون أخوه، وبِيده عصاه، فلما وقف على فرعون قال له: إني رسول رب العالمين، فعرفه فرعون، فقال: {قَال أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} {قَال فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} أي: خطأ لا أريد ذلك، ثم أقبل عليه موسى ينكر عليه ما ذكر من يده عنده، فقال:{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي اتخذتهم عبيدًا تنزع أبناءهم من أيديهم، فتسترق من شئت، وتقتل من شئت. إني إنما صيرني إلى بيتك وإليك ذلك {قَال فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالمِينَ} أي: يستوصفه إلهه الذي أرسله إليه، أي ما إلهك هذا! {قَال رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَينَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}{قَال لِمَنْ حَوْلَهُ} من ملئه {أَلَا تَسْتَمِعُونَ} أي: إنكارًا لما قال: ليس له إله غيري. {قَال رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} الذي خلق آباءكم الأولين وخلقكم من آبائكم. {قَال} فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيكُمْ لَمَجْنُونٌ} أي: ما هذا بكلام صحيح إذ يزعم أن لكم إلهًا عْيري، {قَال رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَينَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} أي: خالق المشرق والمغرب وما بينهما من الخلق إن كنتم تعقلون، {قَال لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيرِي} لتعبد غيرى وتترك عبادتي {لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قَال أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُبِينٍ}، أي بما تعرف بها صدقي وكذبك وحقي وباطلك! {قَال فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} فملأت ما بين سماطي فرعون، فاتحة فاها، قد صار محجنها عرفًا على ظهرها، فارفض عنها الناس، وحال فرعون عن سريره ينشده بربه. ثم أدخل يده في جيبه فأخرجها بيضاء مثل الثلج، ثم ردها كهيئتها، وأدخل موسى يده في جيبه فصارت عصا في يده، يده بين شعبتيها، ومحجنها في أسفلها كما كانت، وأخذ فرعون بطنه، وكان فيما يزعمون يمكث الخمس والست ما يلتمس المذهب -يريد الخلاء -كما