فقال: يرحم الله داود، هو خيرٌ منّي، ظفرت به فقتلته وظَفِر بي فكفّ عني! ثم إنه ركب يومًا فوجدهُ يمشي في البريّة، وطالوت علي فرس، فقال طالوت: اليوم أقتلُ داود -وكان داود إذا فزع لم يدرَك- فركَض علي أثره طالوت، ففزع داود، فاشتدّ فدخل غارًا، فأوحي الله إلي العنكبوت فضربت عليه بيتًا، فلما انتهي طالوتُ إلي الغار نظر إلي بناء العنكبوت، فقال: لو كان دخل هاهنا لخرَق بيت العنكبوت، فخيِّل إليه فتركه.
وطعن العلماءُ علي طالوت في شأن داود، فجعل طالوت لا ينهاه أحدٌ عن داود إلا قتله، وأغراه الله بالعلماء يقتلهم، فلم يكن يقدر في بني إسرائيل علي عالم يُطيق قتله إلا قتله، حتى أُتِيَ بامرأة تعلم اسم الله الأعظم، فأمر الخبَّاز أن يقتلها، فرحمها الخباز، وقال: لعلنا نحتاج إلي عالم. فتركها، فوقع في قلب طالوت التوبة وندم، وأقبل علي البكاء حتى رحمه الناس، وكان كلّ ليلة يخرج إلي القبور فيبكي، وينادي: أنشد الله عبدًا علم أن لي توبةً إلّا أخبرني بها! فلما أكثر عليهم [ليالِيَ] ناداه مناد من القبور: أن يا طالوت، أما ترضي أن قتلتَنا أحياء حتى تؤذينا أمواتًا! فازداد بكاء وحزنًا، فرحمه الخباز فكلمه فقال: ما لك؟ فقال: هل تعلم لي في الأرض عالمًا أسأله: هل لي من توبة؟ فقال له الخباز: هل تدري ما مثلُك؟ إنما مثلُك مثلُ ملِك نزل قرية عشاء فصاح الديك، فتطيّر منه، فقال: لا تتركوا في القرية ديكًا إلا ذبحتموه، فلما أراد أن ينام قال: إذا صاح الديك فأيقظونا حتى نُدْلِج، فقالوا له: وهل تركتَ ديكًا يُسمع صوته! ولكن هل تركتَ عالمًا في الأرض! فازداد حزنًا وبكاء، فلما رأي الخباز منه الجدّ، قال: أرأيتُك إن دللتك علي عالم لعلك أن تقتله! قال: لا، فتوثق عليه الخباز، فأخبره أن المرأة العالمة عنده، قال: انطلِق بي إليها أسألها هل لي من توبة؟ وكان إنما يعلم ذلك الاسم أهل بيت؛ إذا فنيَت رجالهم علمت النساء، فقال: إنها إن رأتك غُشِيَ عليها، وفزعتْ منك، فلما بلغ الباب خلّفه خلفه، ثم دخل عليها الخباز، فقال لها: ألستُ أعظم الناس منّة عليك؟ أنجيتكِ من القتل، وآويتك عندي. قالت: بلى! قال: فإنّ لي إليك حاجة، هذا طالوت يسألكِ: هل له من توبة؟ فغشي عليها من الفَرَق، فقال لها: إنه لا يريد قتلك، ولكن يسألك: هل له من توبة؟ قالت: لا، والله ما أعلم لطالوت توبةً، ولكنْ هل تعلمون مكان قبر نبيّ؟ قالوا: نعم، هذا قبر يوشع بن نون، فانطلقتْ وهما معها