بيته، ثم لا يعود فيه إلي يوم القيامة، فإني إنما أكرِمُ مَنْ أطاعني، وأهينُ مَنْ هان عليه أمري. فلقيَه فقال له: ما صنعت! لمَ جئتَ بملكهم أسيرًا، ولم سقت مواشيهم؟ قال: إنما سقت المواشيَ لأقرّبها، قال له أشمويل: إن الله قد نزع من بيتك المُلك ثم لا يعود فيه إلي يوم القيامة، فأوحي الله إلي أشمويل: انطلق إلي إيشي فيعرِض عليك بنيه، فادهُن الذي آمرك بدُهْن القدس، يكُنْ ملكًا علي بني إسرائيل. فانطلق حتى أتي إيشي، فقال: اعرِضْ عليّ بنيك، فدعي إيشي أكبرَ ولده، فأقبل رجل جسيم حسَنُ المنظر، فلما نظر إليه أشمويل أعجبه، فقال: الحمد لله، إن الله بصير بالعباد! فأوحي الله إليه: إنّ عينيك تُبصران ما ظهر، وإني أطّلع علي ما في القلوب، ليس بهذا! فقال: ليس بهذا، اعرض عليّ غيرَه. فعرض عليه ستة، في كلِّ ذلك يقول: ليس بهذا، اعرِض عليّ غيرَه، فقال: هل لك من ولدٍ غيرهم؟ فقال: بلى، لي غلام أمغر وهو راع في الغنم. قال: أرسِل إليه، فلما أن جاء داود، جاء غلام أمغَر؛ فدهنه بدُهن القدس، وقال لأبيه: اكتم هذا، فإنّ طالوت لو يطّلع عليه قتله. فسار جالوت في قومه إلي بني إسرائيل فعسكر، وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر، وتَهيّؤوا للقتال، فأرسل جالوت إلي طالوت: لِمَ يُقتَل قومي وقومُك؟ ابرز لي، أو أبْرِز لي مَنْ شئت، فإن قتلتُك كان الملك لي، وإن قتلتَني كان الملك لك. فأرسل طالوت في عسكره صائحًا: مَنْ يبرز لجالوت! ثم ذكر قصة طالوت وجالوت وقتل داود إياه، وما كان من طالوت إلي داود.
قال أبو جعفر: وفي هذا الخبر بيان: أنّ داود قد كان الله حوّل الملك له قبل قتله جالوت، وقبل أن يكون من طالوت إليه ما كان من محاولته قتله، وأما سائر مَنْ روينا عنه قولًا في ذلك، فإنهم قالوا: إنما مَلك داود بعد ما قتِل طالوت وولده (١). (١: ٤٧٧/ ٤٧٨).
٧٣٨ - وقد حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق -فيما ذكر لي بعض أهل العلم- عن وهب بن منبّه قال: لما قتَل داودُ جالوت، وانهزم جندُه قال الناس: قتَل داود جالوت وخلع طالوتَ، وأقبل الناس علي داود مكانه حتى لم يسمع لطالوت بذكْر.
(١) في إسناده المثني بن إبراهيم الآملي مجهول الحال. ووهب بن منبه كثير الإرسال والأوهام.