بمكاثرته شيئًا، وبعثت إليه أنّي قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظرَ ما أمرك، وما تدعو إليه من دينك، ثم أمرت بسرير مُلْكها الذي كانت تجلس عليه- وكانَ من ذهب مفصّص بالياقوت والزبرجَد واللؤلؤ- فجُعل في سبعة أبيات بعضها في بعض، ثم أقفلت علي الأبواب، وكانت إنما تَخدُمها النساء، معها ستمئة امرأة تخدُمها. ثم قالت لمن خلّفت علي سلطانها: احتفظ بما قبَلك، وسرير ملكي فلا يخلص إليه أحد، ولا يرينَّه حتى آتيك. ثم شخصت إلي سليمان في اثني عشر ألف قَيل معها من ملوك اليمن، تحت يد كل قَيل منهم ألوف كثيرة، فجعل سليمان يبعث الجنّ فيأتونه بمسيرها ومنتَهاها كلَّ يوم وليلة، حتى إذا دنت جَمَع من عنده من الجنّ والإنس ممن تحت يديه، فقال: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨)}. قال: وأسلمتْ فحسُن إسلامها. قال: فزُعم: أنّ سليمان قال لها حين أسلمت وفرغ من أمرها: اختاري رجلًا من قومك أزوّجكه، قالت: ومثلي يا نبيّ الله ينكح الرجال، وقد كان لي في قومي من الملك والسلطان ما كان لي! قال: نعم، إنّه لا يكون في الإسلام إلا ذلك، ولا ينبغي لك أن تُحرِّمي ما أحلَّ الله لك، فقالت: زوّجني إن كان لا بد ذا تُبَّع مَلك هَمْدان، فزوجه إياها، ثم ردَّها إلي اليمن، وسلّط زوجها ذا تُبَّع علي اليمن، ودعي زوبعة أمير جنّ اليمن فقال: اعمل لذي تبَّع ما استعملك لقومه. قال: فصنع لذي تبَّع الصنائع باليمن، ثم لم يزل بها ملكًا يُعمل له فيها ما أراد؛ حتى مات سليمان ابن داود - عليه السلام -.
فلما حال الحول وتبينت الجنّ موتَ سليمان أقبل رجل منهم، فسلك تهامة حتى إذا كان في جوف اليمن صرخ بأعلي صوته: يا معشرَ الجِنّ! إن الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديَكم قال: فعمدت الشياطين إلي حجرين عظيمين، فكتبوا فيهما كتابًا بالمسنَد: نحن بنينا سَلْحين، سبعة وسبعين خريفًا دائبِين، وبنينا صِرْوَاح ومراح وبَينُون برحاضة أيدين، وهندة وهنيدة، وسبعة أمجِلة بقاعة، وتلثوم برَيدة، ولولا صارخ بتهامة، لتركنا بالبون إمارة.
قال: وسَلْحِين [وصِرْواح] ومَراح وبَينُون وهندة وهنيدة وتلثوم حصون كانت باليمن، عملتها الشياطين لذي تُبّع، ثم رفعوا أيديهم، ثم انطلقوا، وانقضي