للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما هم فاعلون بعده، قال: {وَقَضَينَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَينِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} - إلى - {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}، فكانت بنو إسرائيل وفيهم الأحداث والذنوب، وكان الله في ذلك متجاوزًا عنهم، متعطّفًا عليهم، محسنًا إليهم، وكان مما أنزل الله بهم في ذنوبهم ما كان قدّم إليهم في الخبر عنهم على لسان موسى، فكان أول ما أنزَل بهم من تلك الوقائع: أن ملكًا منهم كان يدعى صديقة، وكان الله إذا ملّك الملك عليهم؛ بعث نبيًّا يسدّده ويرشده، فيكون فيما بينه وبين الله، يحدّث إليه في أمرهم. لا يُنزل عليهم الكتب، إنما يؤمرون باتّباع التوراة والأحكام التي فيها، وينهوْنهم عن المعصية، ويدعونهم إلى ما تركوا من الطاعة.

فلما ملك ذلك الملك؛ بعث الله معه شعيا بن أمصيا، وذلك قبل مبعث عيسى وزكرياء ويحيى. وشعيا الذي بشّر بعيسى ومحمد، فملَك ذلك الملكُ بني إسرائيل وبيت المقدس زمانًا، فلما انقضى ملكُه، وعظُمت فيهم الأحداث، وشعيا معه، بعث الله عليهم سنحاريب ملك بابل معه ستمئة ألف راية، فأقبل سائرًا حتى نزل حول بيت المقدس والملك مريض، في ساقه قُرْحة، فجاءه النبيّ شعيا، فقال له: يا ملكَ بني إسرائيل! إنّ سنحاريب ملك بابل قد نزل بك هو وجنوده في ستمئة ألف راية، وقد هابَهم الناس وفرِقوا منهم. فكبُر ذلك على الملك، فقال: يا نبيّ الله! هل أتاك وحيٌ من الله فيما حدَث فتخبرنا به كيف يفعل الله بنا وبسنحاريب وجنوده؟ فقال له النبيّ - عليه السلام -: لم يأتني وحي حَدّث إليّ في شأنك.

فبينما هم على ذلك أوحى الله إلى شعيا النَّبيّ: أن ائت ملِك بني إسرائيل فاؤْمره أن يوصيَ بوصيّته، ويستخلِف على ملكه مَنْ يشاء من أهل بيته. فأتى النبيّ شعيا ملك بني إسرائيل صديقة، فقال له: إن ربَّك قد أوحى إليّ أن آمرك توصي وصيّتك، وتستخلف مَن شئت على الملْك من أهل بيتك؛ فإنك ميت.

فلما قال ذلك شعيا لصديقة: اقبل على القِبْلة، فصلّى وسبّح، ودعى وبكى، وقال وهو يبكي ويتضرّع إلى الله بقلب مخلص، وتوكّل وصبر، وظنّ صادق: اللهم ربَّ الأرباب، وإلهَ الآلهة، القُدُّوس المتقدّس، يا رحمن يا رحيم، المترحّم، الرؤوف الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. اذكرني بعملي وفعلي

<<  <  ج: ص:  >  >>