وحسن قضائي علي بني إسرائيل، وذلك كلُّه كان منك، فأنت أعلم به من نفسي وسرّي وعلانيَتي لك. هان الرحمن استجاب له وكان عبدًا صالحًا. فأوحى الله إلى شعيا، فأمره أن يخبر صديقة الملك: أن ربَّه قد استجاب له وقَبِل منه ورحمه، وقد رأى بكاءه، وقد أخّر أجله خمس عشرة سنة، وأنجاه مِنْ عدوّه سنحاريب ملك بابل وجنوده، فلما قال له ذلك؛ ذهب عنه الوجع، وانقطع عنه الشرّ والحزن، وخرّ ساجدًا؛ وقال: يا إلهي وإله آبائي! لك سجَدت وسبَّحت، وكرّمت وعظمت. أنت الذي تُعطي الملك مَنْ تشاء، وتنزعه ممن تشاء، وتعزّ مَنْ تشاء، وتذِلّ مَنْ تشاء، عالم الغيب والشهادة؛ أنت الأوّلُ والآخر، والظاهر والباطن، وأنت ترحم وتستجيب دعوةَ المضطرين، أنت الذي أجبتَ دعوتي، ورحِمت تضرُّعي.
فلما رفع رأسه أوحى الله إلى شعيا: أن قل للملك صديقة، فيأمر عبدًا من عبيده، فيأتيَه بماء التين فيجعله على قرحته فيشفى ويصبح وقد برئ. ففعل ذلك، فشفي. وقال الملك لشعيا النبيّ: سل ربك أن يجعل لنا علمًا بما هو صانع بعدونا هذا. فقال الله لشعيا النبي: قل له إني قد كفيتُك عدوَّك، وأنجيتُك منهم، وإنهم سيصبحون موتى كلهم إلا سنحاريب وخمسة من كتّابه.
فلما أصبحوا جاءه صارخ فصرخ على باب المدينة: يا ملكَ بني إسرائيل! إنّ الله قد كفاك عدوَّك فاخرج، فإنّ سنحاريب ومَنْ معه قد هلكوا. فلما خرج الملك التمس سنحاريب فلم يوجد في الموتى، فبعث الملك في طلبه، فأدركه الطلب في مغارة وخمسة من كتّابه أحدهم بختنصّر، فجعلوهم في الجوامع ثم أتوْا بهم ملِكَ بني إسرائيل، فلما رآهم؛ خرّ ساجدًا من حين طلعت الشمس حتى كانت العصر، ثم قال لسنحاريب: كيف ترى فعل ربِّنا بكم؟ ألم يقتلكم بحوله وقوّته ونحن وأنتم غافلون! فقال سنحاريب له: قد أتاني خبرُ ربّكم ونصره إياكم، ورحمتُه التي رحمكم بها قبل أن أخرُج من بلادي، فلم أطع مرشدًا ولم يُلقنِي في الشقوة إلا قلّة عقلي؛ ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم، ولكنّ الشقوة غلبت عليّ وعلَى مَنْ معي. فقال ملك بني إسرائيل: الحمد لله ربّ العزّة الذي كفاناكم بما شاء، إن ربّنا لم يبقك ومَنْ معك لكرامة لك عليه؛ ولكنه إنما أبقاك ومَنْ معك إلى ما هو شرّ لك ولمن معك، لتزدادوا شقوة في الدنيا، وعذابًا في