وخذلتنا! واستعدوا للقتال، فكتب قائد بختنصّر إليه بما كان، فكتب إليه يأمره أن يقيم بموضعه حتى يوافيَه، وأن يضرب أعناق الرهائن الذين معه، فسار بختنصّر حتى أتى بيت المقدس، فأخذ المدينة عَنْوة، فقتل المقاتِلة، وسبى الذرّيَّة.
قال: وبلغنا: أنه وجد في سجن بني إسرائيل إرميا النبيّ، وكان الله تعالى بعثه نبيًّا -فيما بلغنا- إلى بني إسرائيل، يحذّرهم ما حلّ بهم من بختنصّر، ويُعْلِمهم: أن الله مسلّط عليهم مَنْ يقتل مقاتِلتهم، ويَسْبي ذراريّهم، إن لم يتوبوا، وينزعوا عن سيّئ أعمالهم. فقال له بختنصّر: ما خطبُك؟ فأخبره: أن الله بعثه إلى قومه ليحذّرَهم الذي حلّ بهم، فكذبوه وحبسوه، فقال بختنصّر: بئس القوم قومٌ عصوْا رسولَ ربّهم! وخلّى سبيله، وأحسنَ إليه. فاجتمع إليه مَنْ بقي من ضعفاء بني إسرائيل، فقالوا: إنا قد أسأنا وظلمنا، ونحن نتوب إلى الله ممَا صنعنا، فادع الله أن يقبل توبتنا. فدعى ربّه فأوحى إليه أنهم غيرُ فاعلين، فإن كانوا صادقين فليقيموا معك بهذه البلدة، فأخبرَهم بما أمرهم الله به، فقالوا: كيف نقيم ببلدة قد خُرّبت وغضب الله على أهلها! فأبوا أن يقيموا، فكتب بختنصّر إلى ملك مصر: إنّ عبيدًا لي هربوا مني إليك، فسرِّحهم إليّ، وإلا غزوتُك وأوطأت بلادَك الخيل. فكتب إليه ملك مصر: ما هم بعبيدك؛ ولكنهم الأحرار أبناء الأحرار؛ فغزاه بختنصّر فقتله، وسبى أهل مصر، ثم سار في أرض المغرب، حتى بلغ أقصى تلك الناحية، ثم انطلق بسبي كثير من أهل فِلَسطين والأردنّ، فيهم دانيال وغيره من الأنبياء.
قال: وفي ذلك الزمان تفرّقت بنو إسرائيل، ونزل بعضهم أرض الحجاز بيثرب، ووادي القرى، وغيرها.
قال: ثم أوحى الله إلى إرميا فيما بلغنا: إنّي عامر بيت المقدس فاخرج إليها، فانزْلها. فخرج إليها حتى قدمها وهي خراب، فقال في نفسه: سبحان الله! أمرني الله أن أنزل هذه البلدة، وأخبرني أنه عامرُها، فمتى يعمر هذه، ومتى يحييها الله بعد موتها! ثم وضع رأسه فنام ومعه حماره وسلّة فيها طعام، فمكث في نومه سبعين سنة، حتى هلك بختنصّر والملك الذي فوقه، وهو لهراسب الملك الأعظم وكان ملْك لهراسب مئة وعشرين سنة. ومَلَك بعده بشتاسب ابنه، فبلغه عن بلاد الشام أنها خراب، وأن السباع قد كثرت في أرض فلسطين، فلم يبق بها