من الإنس أحَد، فنادى في أرض بابل في بني إسرائيل: إنّ من شاء أن يرجع إلى الشام فليرجع. وملّك عليهم رجلًا من آل داود، وأمره أن يعمر بيت المقدس ويبنيَ مسجدها، فرجعوا فعمروها، وفتح الله لإرميا عينيه، فنظر إلى المدينة كيف تعمر وتبنى، ومكث في نومه ذلك، حتى تمّت له مئة سنة، ثم بعثه الله وهو لا يظنّ: أنه نام أكثر من ساعة، وقد عهد المدينة خرابًا يبابًا، فلما نظر إليها قال: أعلمُ أنّ الله على كلّ شيء قدير.
قال: وأقام بنو إسرائيل ببيت المقدس، ورُدّ إليهم أمرُهم، وكثروا بها حتى غلبت عليهم الروم في زمان ملوك الطوائف، فلم يكن لهم بعد ذلك جماعة.
قال هشام: وفي زمان بشتاسب ظهر زَرَادُشت، الذي تزعم المجوس أنه نبيُّهم، وكان زَرَادُشت -فيما زعم قوم من علماء أهل الكتاب- من أهل فلسطين خادمًا لبعض تلامذة إرميا النبيّ خاصًّا به، أثيرًا عنده، فخانه فكذَب عليه، فدعا الله عليه، فبرص فلحق ببلاد أذربيجان، فشرع بها دين المجوسية، ثم خرج منها متوجهًا نحو بشتاسب، وهو ببلْخ، فلما قدم عليه وشرح له دينه أعجبه فقسر الناس على الدخول فيه، وقتل في ذلك مِنْ رعيّته مقتلة عظيمة، ودانوا به، فكان ملك بشتاسب مئة سنة واثنتي عشرة سنة (١). (١: ٥٣٨/ ٥٣٩ / ٥٤٠).
٧٧٠ - وأما غيره من أهل الأخبار والعلم بأمور الأوائل فإنه ذكر أن كي لهراسب كان محمودًا في أهل مملكته، شديد القمع للملوك المحيطة بإيران شَهْر، شديد التفقد لأصحابه، بعيد الهمة كثير الفكر في تشييد البنيان، وشقّ الأنهار، وعمارة البلاد، فكانمت ملوك الروم والمغرب والهند وغيرهم يحملون إليه في كلّ سنة وظيفة معروفة وإتاوة معلومة، ويكاتبونه بالتعظيم ويقرّون له أنه مَلِك الملوك هيبة له وحذرًا.
قال: ويقال: إن بختنصّر حمل إليه من أورِيشَلِم خزائن وأموالًا، فلما أحسّ بالضعف من قوته ملّك ابنه بشتاسب، واعتزل الملك وفوّضه إليه، وكان ملك لهراسب -فيما ذكر- مئة سنة وعشرين سنة.
وزعم: أن بختنصّر هذا الذي غزا بني إسرائيل اسمه "بخترشه"، وأنه رجل