للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستحيي فيها إنسيًّا ولا بهيمة، وأن يتنسف ذلك نسفًا، حتى لا يُبقي لهم أثرًا. فنظم بختنصّر ما بين إيلة والأبُلَّة خيلًا ورجلًا، ثم دخلوا على العرب فاستعرضوا كلّ ذي روح أتوْا عليه وقدروا علَيه. وأن الله تعالى أوحى إلى إرميا وبرخيا: أنّ الله قد أنذر قومكما، فلم ينتهوا، فعادوا بعد المُلْك عبيدًا، وبعد نعيم العيش عالة يسألون الناس، وقد تقدّمت إلى أهل عربة بمثل ذلك فأبوْا إلا لجاجةً، وقد سلّطت بختنصر عليهم لأنتقم منهم، فعليكما بمعدّ بن عبدنان، الذي من ولده محمد الذي أخرجه في آخر الزمان، أختِمُ به النبوّة، وأرفع به من الضّعة.

فخرجا تُطوى لهما الأرض حتى سبقا بختنصّر، فلقيا عدنان قد تلقّاهما، فطوياه إلى معدّ، ولمعدّ يومئذ اثنتا عشرة سنة، فحمله برخيا على البُراق، وردِف خلفه، فانتهيا إلى حَرّان من ساعتهما، وطُويت الأرض لإرميا فأصبح بحرّان، فالتقى عدنان، وبختنصّر بذات عِرْق، فهزم بختنصّر عدنان، وسار في بلاد العرب، حتى قدم إلى حَضُور، واتّبع عدنان، فانتهى بختنصّر إليها، وقد اجتمع أكثر العرب من أقطار من عربة إلى حَضُور، فخندق الفريقان، وضرب بختنصّر كمينًا - وذلك أول كمين كان فيما زعم - ثم نادى منادٍ من جوّ السماء: يا لثارات الأنبياء! فأخذتهم السيوفُ مِنْ خلفهم ومن بين أيديهم، فندموا على ذنوبهم، فنادوْا بالويل، ونُهِي عدنان عن بختنصّر ونُهِي بختنصّر عن عدنان، وافترق مَن لم يشهد حَضُور، ومن أفلت قبل الهزيمة فرقتين: فرقة أخذت إلى ريسوب وعليهم عَكّ، وفرقهَ قصدت لوبار وفرقة حَضْر العرب، قال: وإياهم عنى الله بقوله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً}، كافرة الأهل؛ فإن العذاب لما نزل بالقرى وأحاط بهم في آخر وقعة ذهبوا ليهربُوا فلم يطيقوا الهرب، {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} انتقامنا منهم {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} يهربون، قد أخذتهم السيوف من بين أيديهم ومن خلفهم. {لَا تَرْكُضُوا} لا تهرُبوا {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} إلى العيشة على النعم المكفورة {وَمَسَاكِنِكُمْ} مصيركم {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}. فلما عرفوا: أنه واقع بهم أقروا بالذنوب، فقالوا: {قَالُوا يَاوَيلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (١٤) فَمَا زَالتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}، موتى وقتلى بالسيف فرجع بختنصَّر إلى بابل بما جمع من سبايا عَربَة فألقاهم بالأنبار، فقيل: أنبار العرب، وبذلك سميت الأنبار، وخالطهم بعد ذلك النَّبَط فلما رجع بختنصّر؛ مات عدنان وبقيت

<<  <  ج: ص:  >  >>