الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته، وألقى عليه ثوبًا، ثم جاءه فقال له: يا فيميون! إنّي قد أردت أن أعمل في بيتي عملًا، فانطلق معي حتى تنظر إليه فأشارطك عليه، فانطلق معه حتى دخل حُجرته، ثم قال: ما تريد أن تعمل في بيتك؟ قال: كذا وكذا. ثم انتشط الرجل الثوبَ عن الصبيّ، ثم قال: يا فيميون! عبد من عباد الله أصابه ما ترى، فادع الله له، فقال فيميون حين رأى الصبيّ: اللهم عبد من عبادك دخل عليه عدوّك في نعمتك ليفسدها عليه فاشفِه وعافه، وامنعه منه، فقام الصبيّ ليس به بأس.
وعرف فيميون: أنه قد عُرِف، فخرج من القرية، واتّبعه صالح، فبينما هو يمشي في بعض الشأم مرّ بشجرة عظيمة، فناداه منها رجل، فقال: أفيميون! قال: نعم، قال: ما زلت أنتظرك وأقول: متى هوجاء؟ حتى سمعت صوتك، فعرفت: أنك هو، لا تبرح حتى تقوم عليّ، فإني ميّت الآن. قال: فمات، وقام عليه حتى واراه ثم انصرف ومعه صالح، حتى وطئا بعضَ أرض العرب، فعدِي عليهما فاختطفتهما سيّارة من بعض العرب، فخرجوا بهما حتى باعوهما بينجران - وأهل نجران يومئذ على دين العرب، تعبد نخلة طويلة بين أظهرهم، لهم عيد كلّ سنة؛ إذا كان ذلك العيدُ علّقوا عليها كلَّ ثوب حسن وجدوه، وحليّ النساء. ثم خرجوا، فعكفوا عليها يومًا -فابتاع رجل من أشرافهم فيميون، وابتاع رجل آخر صالحًا، فكان فيمجون إذا قام من الليل- في بيت له أسكنه إياه سيّده الذي ابتاعه- يصلّي، استسرج له البيت نورًا، حتى يصبح من غير مصباح، فرأى ذلك سيّده، فأعجبه ما رأى، فسأله عن دينه فأخبره به، فقال له فيميون: إنّما أنتم في باطل؛ وإنّ هذه النخلة لا تضرّ ولا تنفع؛ لو دعوت عليها الذي أعبد أهلَكها، وهو الله وحدَه لا شريك له. قال: فقال له سيّده: فافعل؛ فإنك إن فعلت دخلنا في دينك، وتركنا ما كنّا عليه، قال: فقام فيميون، فتطهّر ثم صلّى ركعتين، ثم دعا الله عليها، فأرسل الله ريحًا فجعفتْها من أصلها فألقتها، فاتّبعه عند ذلك أهل نجران على دينه، فحملهم على الشريعة من دين عيسى بن مريم. ثم دخل عليهم بعد ذلك الأحداث التي دخلت على أهل دينهم بكلّ أرض. فمن هنالك كانت النصرانيّة بنجران في أرضِ العرب.