سَعَالى كمِثْلِ عَديدِ التُّرَاب ... يَيبَسُ منهم رطابُ الشَّجرْ
وأما هشام بن محمد، فإنّه زَعم: أنّ السفن لما قدمت على النجاشيّ من عند قيصر حَمل جيشه فيها، فخرجوا في ساحل المنْدب. قال: فلما سمع بهم ذو نُواس كتب إلى المقَاول يدعوهم إلى مُظاهرته، وأن يكون أمرُهم في محاربة الحبشة ودفعهم عن بلادهم واحدًا، فأبوْا، وقالوا: يقاتل كلّ رجل عن مَقوْلَته وناحيته. فلما رأى ذلك صنع مفاتيح كثيرة، ثم حملها على عِدّة من الإبل، وخرج حتى لقيَ جمعَهم، فقال: هذه مفاتيح خزائن اليمن قد جئتكم بها، فلكم المال والأرض، واستبقوا الرجال والذرّيّة. فقال عظيمهم: اكتب بذلك إلى الملك، فكتب إلى النّجاشي، فكتب إليه يأمره بقبول ذلك منهم، فسار بهِم ذو نُواس حتى إذا دخل بهم صنعاء، قال لعظيمهم: وجِّهْ ثقاتِ أصحابك في قبْض هذه الخزائن. ففزق أصحابه في قبضها ودفَع إليهم المفاتيح، وسبقت كتُب ذي نواس إلى كلّ ناحية: أن اذبحوا كلّ ثور أسودَ في بلدكم؛ فقتلت الحبشة، فلم يبق منهم إلا الشّريد. وبلغ النجاشيّ ما كان من ذي نُواس، فجهز إليه سبعين ألفًا، عليهم قائدان: أحدهما أبرهة الأشرم؛ فلما صاروا إلى صنعاء ورأى ذو نُواس ألّا طاقة له بهم ركب فرسه، واعترض البحر فاقتحمه، فكان آخرَ العهد به وأقام أبرهة ملكًا على صنعاء ومخاليفها، ولم يبعث إلى النجاشي بشيء.
فقيل للنجاشيّ: إنه قد خلعَ طاعتك، ورأى: أنه قد استغنى بنفسه، فوجّه إليه