في دينه من النصرانية- قال: قد أنَى لكم يا أهل اليمن أن يكونَ فيكم رجل حازم، يأنف مما يأنف منه الرجال؛ إنّي والله لو علمت حين حكّمته أنّه يسأل الذي سأل ما حكّمتُه، ولا أنعمته عينًا، وأيم الله لا يُؤخذ منكم فيه عَقْل، ولا يتبعكم منّي في قتله شيء تكرهونه.
قال: ثم إنّ أبرهة بني القُلَّيْس بصنعاء، فبنى كنيسة لم يُر مثلها في زمانها بشيء من الأرض، ثم كتب إلى النّجاشيّ ملك الحبشة: إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يُبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنتهٍ حتى أصرفَ إليها حاجّ العرب.
فلما تحدّثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشيّ غضب رجل من النّسَأة أحد بني فقيم، ثم أحد بني مالك، فخرج حتى أتى القُلَّيس فقعد فيها، ثم خرج فلحق بأرضه؛ فأخبر بذلك أبرهة، فقال: من صنع هذا؟ فقيلَ: صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجّ العرب إليه بمكّة؛ لما سمع من قولك: أصرف إليه حاجّ العرب، فغضب فجاء فقعد فيها؛ أي أنها ليست لذلك بأهل. فغضِب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرَنّ إلى البيت فيهدمه، وعند أبرهة رجال من العرب، قد قدموا عليه يلتمسون فضله، منهم محمد بن خُزاعيّ بن حزابة الذكوانيّ، ثم السُّلَمي، في نفر من قومه، معه أخ له، يقال له: قيس بن خُزاعيّ؛ فبينا هم عنده غشيَهم عبد لأبرهة، فبعث إليهم فيه بغدائه، وكان يأكل الخُصَى، فلما أتي القوم بغدائه؛ قالوا: والله لئن أكلنا هذا لا تزال تعيجنا به العرب ما بقينا، فقام محمد بن خزاعيّ، فجاء أبرهة فقال: أيها الملك! هذا يوم عيد لنا، لا نأكل فيه إلا الجُنوب والأيدي، فقال له أبرهة: فسنبعث إليكم ما أحببتم؛ فإنما أكرمتكم بغدَائي لمنزلتكم مني.
ثم إن أبرهة توّج محمد بن خُزاعيّ، وأمّره على مُضَر، وأمره أن يسير في الناس يدعوهم إلى حجِّ القُلَّيس؛ كنيسته التي بناها. فسار محمد بن خُزاعيّ، حتى إذا نزل ببعض أرض بني كنانة -وقد بلغ أهلَ تِهامة أمرُه، وما جاء له- بعثوا إليه رجلًا من هُذيل، يقال له: عروة بن حياض الملاصيّ، فرماه بسهم فقتله. وكان مع محمد بن خُزاعيّ أخوه قيس، فهرب حين قُتل أخوه، فلحق بأبرهة،