للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخرجَهم عنه، ويليهم هو، ويبعث إليهم مَنْ شاء من الروم، فيكون له ملك اليمن، فلم يُشْكه، ولم يجد عنده شيئًا مما يريد، فخرج حتى قدم الحيرة على النعمان بن المنذر -وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض العرب من العراق- فشكا إليه ما همْ فيه من البلاء والذلّ، فقال له النعمان: إنّ لي على كسرى وفادة في كلّ عام، فأقِم عندي حتى يكون ذلك، فأخرج بك معي. قال: فأقام عنده حتى خرج النّعمان إلى كسرى، فخرج معه إلى كِسرى، فلما قدِم النّعمان على كسرى وفرغ من حاجته؛ ذكر له سيف بن ذي يزن، وما قدم له، وسأل أن يأذنَ له عليه، ففعل. وكان كسرى إنما يجلس في إيوان مجلسه الذي فيه تاجه، وكان تاجه مثل القَنْقَل العظيم، مضروبًا فيه الياقوت، والزبرجد، واللؤلؤ، والذهب، والفضة معلّقًا بسلسلة من ذهب في رأس طاق مجلسه ذلك، كانت عنقه لا تحمل تاجه، إنما يُستر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك، ثم يدخل رأسه في تاجه، فإذا استوى في مجلسه كشف الثياب عنه فلا يراه رجل لم يره قبل ذلك إلّا برك هيبة له. فلما دخل عليه سيف بن ذي يزنَ برك، ثم قال: أيّها الملك! غلبتْنا على بلادنا الأغربة، فقال كسرى: أيّ الأغربة؟ الحبشة أم السّند؟ قال: بل الحبشة، فجئتك لتنصرَني عليهم، وتخرِجهم عنّي، ويكون مُلْك بلادي لك، فأنت أحبّ إلينا منهم. قال: بعدث أرضك من أرضنا، وهي أرض قليلة الخير؛ إنّما بها الشاء والبعير، وذلك ممّا لا حاجة لنا به، فلم أكن لأورّط جيشًا من فارس بأرض العرب. لا حاجة لي بذلك! ثم أمر فأجيز بعشرة آلاف درهم وافٍ، وكساه كسوة حسنة.

فلما قبض ذلك سيف بن ذي يزن؛ خرج فجعل ينثُر الورِق للناس يُنْهِبها الصبيان والعبيد والإماء، فلم يلبث ذلك أنّ دخل على كسرى، فقيل له: العربيّ الذي أعطيتَه ما أعطيته ينثُرْ دراهمه للناس جممهِبها العبيد والصبيان والإماء. فقال كسرى: إنّ لهذا الرجل لشأنًا، ائتوني به، فلما دخل عليه قال: عمَدت إلى حِباء الملك الذي حَباك به تنثره للناس! قال: وما أصنع بالذي أعطاني الملك! ما جبالُ أرضي التي جئت منها إلّا ذهب وفضة -يرغبه فيها؛ لما رأى من زهادته فيها- إنّما جئت الملك ليمنعَني من الظلم، ويدفع عني الذلّ، فقال له كسرى: أقم عندي حتى أنظر في أمرك. فأقام عنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>