أخطأت الرجل، وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاثوا به، فقد أصبت الرجل، فاحملوا عليهم.
ثم أوْتَر قوسه -وكانت فيما زعموا لا يوتِرها غيره من شدّتها- ثم أمر بحاجبيه فعُصِّبا له، ثم وضع في قوسه نُشابة فمغَط فيها حتى إذا ملأها أرسلها فصكّ بها الياقوتة التي بين عينيه، فتغلغلت النّشابة في رأسه، حتى خرجت من قفاه، وتنكّس عن دابّته، واستدارت الحبشة، ولاثت به، وحملت عليهم الفُرْس، وانهزمت الحبشة، فقتِلوا وهرب شريدهم في كلّ وجه، فأقبل وَهْرِز يريد صنعاء يدخلها؛ حتى إذا أتى بابها قال: لا تدخل رايتي منكّسة أبدًا، اهدموا الباب. فهدم باب صنعاء، ثم دخلها ناصبًا رايتَه يُسار بها بين يديه.
فلما ملك اليمن ونفى عنها الحبشة كتب إلى كسرى: إنّي قد ضبطت لك اليمن، وأخرجت مَنْ كان بها من الحبشة؛ وبعث إليه بالأموال. فكتب إليه كسرى يأمره أن يملّك سيف بن ذي يزن على اليمن وأرضها، وفرض كسرى على سيف بن ذي يزن جِزْية وخرجًا يؤديه إليه في كلّ عام معلوم، يُبْعث إليه في كلّ عام. وكتب إلى وهرِز أن ينصرف إليه. فانصرف إليه وهرز، وملِّك سيف بن ذي يزن على اليمن، وكان أبوه ذو يزن من ملوك اليمن.
فهذا ما حدثنا به ابن حميد عن سلمة، عن ابن إسحاق من أمر حِمْير، والحبشة، وملكهم وتوجيه كسرى من وجّه لحرب الحبشة باليمن (١). (٢: ١٤٢/ ١٤١).
٨٣٢ - وأمّا هشام بن محمد، فإنَّه قال: ملك بعد أبرهة يكسوم، ثم مسروق. قال: وهو الذي قتله وهرِز في مُلك كسرى بن قُباذ، ونفى الحبشة عن اليمن.
قال: وكان من حديثه: أن أبا مُرّة الفيَّاض ذا يزن، كان من أشراف اليمن، وكانت تحته ريحانة ابنة ذي جَدن، فولدت له غلامًا سمّاه: مَعْدِ يكرب، وكانت ذاتَ جمال، فانتزعها الأشرم من أبي مُرّة، فاستنكحها، فخرج أبو مرّة من اليمن، فلحق ببعض ملوك بني المنذر -أظنُّه عمرو بن هند- فسأله أن يكتب له
(١) الخبر في سيرة ابن هشام (١/ ٥٤ - ٥٧) وانظر البداية والنهاية (٢/ ١١٠).