للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابه مقْتلة عظيمة، وغَنِم أموالًا من أمواله. فشكا ذلك المنذر إلى كسرى، وسأله الكتاب إلى ملك الروم في إنصافه من خالد. فكتب كسرى إلى يخطيانوس، يذكر ما بينهما من العهد على الهدنة والصلح، ويعلمه ما لقِيَ المنذر عامله على العرب من خالد بن جَبَلة الذي ملّكه على مَنْ في بلاده من العرب، ويسأله أن يأمر خالدًا أن يردّ على المنذر ما غنم من حَيّزه وبلاده، ويدفع إليه دية مَنْ قتل من عربها. وينصف المنذر من خالد، وألّا يستخفّ بما كتب به من ذلك، فيكون انتقاض ما بينهما من العهد والهدنة بسببه.

وواتَر الكُتب إلى يخطيانوس في إنصاف المنذر، فلم يحفِل بها، فاستعدّ كسرى، فغزا بلاد يخطيانوس في بضعة وتسعين ألف مقاتل، فأخذ مدينة دارا، ومدينة الرُّهاء، ومدينة مَنْبج، ومدينة قِنّسْرِين، ومدينة حَلب، ومدينة أنْطاكية - وكانت أفضل مدينة بالشأم - ومدينة فامِية، ومدينة حِمْص؛ ومدنًا كثيرة متاخمة لهذه المدائن؛ عَنْوة، واحتوى على ما كان فيها من الأموال والعروض، وسَبَى أهلَ مدينة أنطاكيَة، ونقلَهم إلى أرض السواد، وأمر فبنيت لهم مدينة إلى جنب مدينة طَيسَبُون علي بناء مدينة أنطاكيَة - على ما قد ذكرت قبل - وأسكنهم إياها؛ وهي التي تسمّى الروميّة، وكَوّر لها كورة، وجعل لها خمسة طساسيج: طسُّوج نهْروان الأعلى، وطَسُّوج نهروان الأوسط، وطَسّوج نهروان الأسفل، وطَسّوج بادريا، وطَسُّوج باكُسايا، وأجرى على السَّبْي الذين نَقَلهم من أنطاكيَة إلى الروميّة الأرزاق. وولّى القيام بأمورهم رجلًا من نصارى أهل الأهواز، كان ولَّاه الرّياسة على أصحاب صناعاته - يقال له: بَراز - رِقّة منه لذلك السَّبي، إرادة أن يستأنسوا ببراز لحال ملّته، ويسكنوا إليه. وأمّا سائر مدن الشام ومصر فإنّ يخطيانوس ابتاعها من كسرى بأموال عظيمة حملها إليه، وضمِن له فدية يحملها إليه في كلّ سنة على ألا يغزوَ بلاده، وكتب لكسرى بذلك كتابًا، وختم هو وعظماء الروم عليه، فكانوا يحملونها إليه في كلِّ عام.

وكان ملوك فارس يأخذون من كُوَر من كُوَرِهم قبل ملك كسرى أنوشِرْوان في خراجها الثُلث، ومن كُوَر الرّبع، ومن كُوَر الخمس، ومن كُوَر السدس؛ على قدر شَرْبها وعمارتها، ومن جزية الجماجم شيئًا معلومًا، فأمر الملك قُباذ بن فَيروز في آخر ملكه بمسْح الأرض؟ سهلها وجبلها ليصحّ الخراج عليها،

<<  <  ج: ص:  >  >>