منها، فكانتْ غنمي تروح عليّ حين قدِمْنا به معنا شِباعًا لُبَّنًا، فنحلب، ونشرب، وما يحلب إنسانٌ قطرةً ولا يجدها في ضَرْع، حتى إن كان الحاضر من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلَكم، اسرحوا حيثُ يسرَح راعي ابنة أبي ذؤيب! فتَرُوحُ أغنامُهم جياعًا ما تَبِضّ بقطرةِ لبن، وتروح غَنَمي شِبَاعًا لُبَّنًا. فلم نزل نتعرَّف من الله زيادةَ الخير به، حتى مضت سنتان وفصلتُه. وكان يشِبُّ شبابًا لا يشَبُّه الغلمان، فلم يبلغ سَنَتَيهِ حتَّى كان غلامًا جَفْرًا، فقدِمْنا به على أمِّه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا، لما كنَّا نرى من بركته، فكلَّمنا أمَّه، وقلنا لها: يا ظِئْر، لو تركْتِ بُنيّ عندي حتى يغلُظ، فإني أخشى عليه وباء مكّة! قالت: فلم نزل بها حتَّى ردَدْناه معنا. قالت: فرجعْنا به، فوالله إنَّه بعد مقدمنا به بأشْهر مع أخيه في بَهْم لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخُوه يشتدُّ، فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشيّ قد جاءه رجلان عليهما ثياب بياض، فأضْجَعاه وشقَّا بطنه وهما يسوطانه. قالت: فخرجتُ أنا وأبوه نَشتدّ، فوجدناه قائمًا منتقعًا وجهه، قالت: فالتزمْتُه والتزمَه أبُوه، وقلنا له: ما لك يا بنيّ؟ ! قال: جاءني رجلان عليهما ثيابُ بياض، فأضجعاني فشقَّا بطني فالتمسا فيه شيئًا لا أدري ما هو! قالت: فرجعنا إلى خِبائنا. قالت: وقال لي أبوه: والله يا حليمة لقد خشيتُ أن يكون هذا الغلام قد أصيب، فألْحقيه بأهله قبل أن يظهر به ذلك، قالت: فاحتَمَلْناه، فقدمنا به على أمه، فقالت: ما أقدمَكِ به يا ظِئْر، وقد كنت حريصةً عليه وعلى مُكْثه عندك؟ قالت: قلتُ: قد بلغ الله بابني وقضيتُ الذي عليَّ وتخوّفتُ الأحْداثَ عليه، فأدَّيتُه إليك كما تحبّين. قالت: ما هذا بشأنِك، فاصدقينِي خبَرَك، قالت: فلم تدعني حتَّى أخبرتها الخبر، قالت: فتخوّفت عليه الشيطان؟ قالت: فقلت: نعم، قالت: كلَّا والله ما للشَّيطان عليه سبيل، وإنَّ لِبُنيَّ لشأنًا، أفلا أخبِرُكِ خَبَرَهُ؟ قالت: قلت: بلى، قالت: رأيتُ حين حَمَلْتُ به: أنَّه خرج مني نُورٌ أضاءت له قصور بُصرَى من أرض الشام، ثم حملتُ به، فوالله ما رأيت من حَمْل قطُ كان أخفَّ منه ولا أيسرَ منه، ثم وقع حين ولدته وإنَّه لواضعٌ يديه بالأرض، رافعٌ رأسه إلى السَّماء؛ دعيه عنكِ، وانطلقي راشِدَة (١). (٢: ١٥٨/ ١٥٩ / ١٦٠).
(١) مدار هذا الحديث على الجهم بن أبي الجهم لم يوثقه سوى ابن حبان وذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (٢٤/ ٢١٢) وأبو يعلى =