وحدَّثنا هنَّاد بن السَّرِيّ، قال: حدَّثنا يونس بن بُكير، قال: حدَّثنا ابن إسحاق. وحدّثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: حدَّثنا المُحَاربيّ عن ابن إسحاق. وحدَّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدَّثني عمِّي محمد بن سعيد، قال: حدَّثنا محمد بن إسحاق عن الجهم بن أبي الجهم مولى عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال: كانت حليمة ابنة أبي ذُؤَيب السَّعدية أمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أرْضَعَتْه تُحدَّث: أنها خرَجَتْ من بلدها معها زوجُها وابنٌ لها ترضعه في نسوةٍ من بني سعْد بن بكر، تَلْتمسُ الرُّضَعاء، قالت: وذلك في سَنَة شهْبَاء لم تُبْقِ شيئًا، فخَرَجْتُ على أتان لي قَمْرَاء، معنا شارفٌ لنا، والله ما تبِضّ بقطرة، وما ننام ليلَنا أجمعَ من صَبيّنا الذي معي من بكائه مِن الجوعِ، وما في ثَدْيي مَا يُغْنيه، وما في شَارِفنا ما يغذُوه، ولكنَّا نرجوا الغيثَ والفرجَ؛ فخرجتُ على أتاني تلك، فلقد أذمّت بالرَّكب حتى شق ذلك عليهم ضعفًا وعَجَفًا، حتى قدمنا مكَّة نلتمِسُ الرُّضعاء، فما منَا امرأة إلَّا وقد عُرضَ عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتَأبَاه إذا قيل لها: إنَّه يتيمٌ، وذلك أنَّا إنَّما نرجو المعروفَ من أبي الصَّبيّ، فكنّا نقولُ: يتيمٌ ما عسى أن تصنع أمّهُ وجدّه؛ فكنا نكرهه لذلك؛ فما بَقِيَتْ امرأةٌ قدِمَتْ مَعي إلَّا أخَذَتْ رضيعًا، غيري فلمَّا أجمَعْنا الانطلاق، قلت لصاحبي: إني لأكْرَه أن أرجعِ من بين صوَاحباتي ولم آخذْ رضيعًا، والله لأذهبنَّ إلى ذلك اليتيم فلآخُذنَّه، قال: لا عليك أن تفعلي، فعسى الله أن يجعل لنا فيه بركة! قالت: فذهبتُ إليه فأخَذْتُه وما حملني على ذلك إلَّا أني لم أجِد غيرَه. قالت: فلما أخذْتُه رجعت به إلى رحْلي، فلمَّا وضعته في حِجْري أقبَل عليه ثدْيَايَ بما شاء من لبن، فشرب حتَّى رويَ، وشربَ معه أخُوه حتى رَويَ، ثم ناما - وما كان ينامُ قبلَ ذلك - وقام زوجي إلى شارِفنا تلك، فنظر إليها فإذا إنّها لحافل، فحلبَ منها حتَّى شرِبَ وشربتُ، حتى انتهينا ريًّا وشَبَعًا، فبتْنَا بخير ليلة. قالت: يقول لي صاحبي حينَ أصبحتُ: أتعلمين والله يا حليمة لقد أخذت نسمةً مباركة! قلت: والله إني لأرجو ذلك. قالت: ثمَّ خرجنَا وركبتُ أتاني تلك، وحملتُه عَليها معي، فوالله لقَطَعَتْ بنا الرَّكْب ما يقدَمُ عليهَا شيءٌ من حُمُرِهم، حتَّى إن صواحبي ليَقُلْنَ لي: يا بنةَ أبي ذُؤَيب، اربَعِي علينا. أليسَ هذه أتانَكَ التي كنت خرجتِ عليها؟ فأقولُ لهنّ: بلى والله، إنها لهي هي! فيقلن: والله إنَّ لها لشأنًا. قالت: ثمَّ قدمنا منازِلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرضِ الله أجدبَ