وانهَزَم بَقيَّتُهُم وهَرَبُوا على وجوههم، وبلغ كِسْرى قتلُ الرُّوم راهزار وما نَال هرقل من الظَّفر، فهدّه ذلك وانحاز من دَسْكَرة الملك إلى المدائن، وتحصَّن فيها لعجْزه عن محاربة هرقل.
وسَار هِرَقل حتَّى كان قريبًا من المدائن، فلمَّا تساقط إلى كِسْرى خبرُه واستعدَّ لقتاله؛ انصَرَف إلى أرض الرُّوم وكتب كِسْرى إلى قُوَّاد الجُنْد الذين انهزموا يأمرهم أن يدُلّوه على كلّ رجل منهم ومن أصحابهم، ممّن فشل في تلك الحرب ولم يرابِطْ مركزه فيها، فيأمر أن يعاقب بقدر ما اسْتَوجَب، فأحْرجهم بهذا الكتاب إلى الخلاف عليه، وطلب الحِيَل لنجاة أنفسهم منه، وكتب إلى شهر براز يأمره بالقدوم عليه ويستعجله في ذلك، ويصفُ ما كان من أمْر الرُّوم في عمله.
وقد قيل: إنّ قول الله: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} إنما نزل في أمر أبَرْويز ملك فارس وملك الرُّوم هِرَقل، وما كان بينهما ممَّا قد ذكرت من هذه الأخبار (١). (٢: ١٦٨/ ١٨٤).
٨٤٨ - حدثنا القاسم، قال: حدَّثنا الحسين، قال: حدَّثنا حجَّاج عن أبي بكْر، عن عِكْرمة، قال: كانت في فارس امرأة لا تَلِدُ إلَّا الملوك الأبطال، فدعاها كِسْرى، فقال: إنّي أريدُ أن أبْعَثَ إلى الرُّوم جيشًا وأستعْمِل عليهم رجلًا من بنيك، فأشِيري عليَّ أيّهم أستعمل، قالت: هذا فلانٌ وهو أروغ من ثعْلب، وأحذر من صقْر؛ وهذا فَرُّخان وهو أنفذُ من سِنان، وهذا شَهْربراز وهو أحْلم من كذا؛ فاستعملْ أيَّهم شئت، قال: فإنيّ قد استعملت الحلِيم، فاستعمل شَهْربَراز، فسار إلى الرُّوم بأهلِ فارس وظهر عليهم، فقتَّلَهم وخرَّب مدائِنَهم، وقطع زيتونهم. قال أبو بكر: فحَدَّثْتُ هذا الحديثَ عَطاء الخراسانيّ فقال: أما رأيت بلاد الشام؛ قلت: لا، قال: أما إنَّك لو أتيتَها لرأيتَ المدائنَ التي خُرّبت والزَّيتون الذي قُطع؛ فأتيتُ الشَّام بعد ذلكَ فرأيته.
قال عَطاءُ الخراسانيّ: حدَّثني يحيى بن يَعْمَر: أن قَيصَر بعث رجلًا يُدْعى