البأس، فأقام قصيّ حتى إذا دخل الشهر الحرام، خرج حاجّ قضاعة، فخرج فيهم حتى قدِم مكّة، فلما فرغ من الحجّ أقام بها، وكان رجلًا جليدًا نسيبًا، فخطب إلى حُلَيل بن حُبْشِيّة الخزاعيّ ابنته حُبَّى بنت حُلَيل، فعرف حُلَيل النسب ورغب فيه، فزوّجه - وحُلَيل يومئذ فيما يزعمون - يلِي الكعبة وأمر مكّة.
فأما ابن إسحاق؛ فإنه قال في خبره: فأقام قصيّ معه -يعني: مع حُلَيل- وولدت له ولده عبد الدار، وعبد مناف، وعبد العزى، وعبد بن قصي، فلما انتشر ولدُه، وكثر مالُه، وعظم شرفُه هلك حُلَيل بن حُبْشِية، فرأى قُصَيّ أنه أوْلَى بالكعبة وأمر مكة من خُزاعة وبني بكر، وأنّ قريشًا فَرْعة إسماعيل بن إبراهيم، وصريح ولده، فكلّم رجالًا من قريش وبني كنانة، ودعاهم إلى إخراج خُزاعة وبني بكر من مكة، فلما قبلوا منه ما دعاهم إليه وبايعوه عليه، كتب إلى أخيه من أمّه رزاح بن ربيعة بن حرام - وهو ببلاد قومه - يدعوه إلى نُصرته، والقيام معه، فقام رِزاح بن ربيعة في قُضاعة، فدعاهم إلى نصر أخيه والخروج معه إليه، فأجابوه إلى ما دعاهم من ذلك.
وقال هشام في خبره: قَدِم قصيّ على أخيه زُهرة وقومه، فلم يلبث أن ساد، وكانت خُزاعة بمكّة أكثر من بني النضر، فاستنجد قصيّ أخاه رِزاحًا، وله ثلاثة إخوة من أبيه، من امرأة أخرى، فأقبل بهم وبمن أجابه من أحياء قُضاعة، ومع قصيٍّ قومه بنو النَّضر، فنفوْا خزاعة، فتزوّج قصيّ حُبّى بنت حُلَيل بن حبشيّة من خُزاعة، فولدت له أولاده الأربعة، وكان حُليل آخرَ مَنْ وَليَ البيت، فلما ثَقُل جعل ولايةَ البيت إلى ابنته حُتى، فقالت: قد علمت أنّي لا أقدر على فتح الباب وإغلاقه، قال: فإنِّي أجعل الفتح والإغلاق إلى رجل يقوم لك به، فجعله إلى أبي غُبْشان - وهو سليم بن عمرو بن بويّ بن ملْكان بن أفصى - فاشترى قصيّ ولاية البيت منه بزِقّ خمر وبعوْد. فلمّا رأت ذلك خُزاعة كثُروا على قصيّ، فاستنصر أخاه، فقاتل خُزاعة، فبلغنا - والله أعلم -: أن خزاعة أخذتها العدَسَة، حتى كادت تُفْنيهم، فلمَّا رأت ذلك جلتْ عن مكّة، فمنهم من وهبْ مسكنه، ومنهم من باع، ومنهم من أسكن، فوليَ قصيّ البيت وأمر مكة والحكم بها، وجمع قبائل قريش، فأنزلهم أبطح مكة، وكان بعضهم في الشِّعاب ورؤوس