وأخذت بحظّك منه. فأنزل الله عزّ وجلّ:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} حتى انقضت السورة. (٢/ ٣٣٧).
فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على صلاح قومه، محبًّا مقاربتَهم بما وجد إليه السبيل، قد ذُكِر أنه تمنَّى السبيل إلى مقاربتهم، فكان من أمره في ذلك (١):
٤٨ - حدّثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد المدني، عن محمد بن كعب القُرَظيّ، قال: لما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَلِّيَ قومِه عنه، وشقَّ عليه ما يرَى من مباعدتهم ما جاءهم به من الله، تمنّى في نفسه أن يأتيَه من الله ما يقاربُ بينه وبين قومه، وكان يسرُّه مع حبِّه قومَه، وحرصِه عليهم أن يلين له بعض ما قد غلظ عليه من أمرهم؛ حتى حدَّث بذلك نفسَه، وتمنَّاه وأحبّه، فأنزل الله عزّ وجل: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} , فلما انتهى إلى قوله: {أَفَرَأَيتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} , ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدّث به نفسه، ويتمنّى أن يأتيَ به قومه:"تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لتُرتجى"؛ فلما سمعتْ ذلك قريش فرِحوا، وسرّهم وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم، فأصاخوا له - والمؤمنون مصدّقون نبيَّهم فيما جاءهم به عن ربّهم، ولا يتّهمونه على خطأ ولا وهم ولا ذلل - فلما انتهى إلى السجدة منها وختم السورة سجدَ فيها، فسجد المسلمون بسجود نَبيّهم، تصديقًا لما جاء به، واتّباعًا لأمره، وسجد مَنْ في المسجد من المشركين من قريش وغيرهم، لما سمعوا من ذكر آلهتهم، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد، إلَّا الوليد بن المغيرة، فإنه كان شيخًا كبيرًا، فلم يستطع السجود، فأخذ بيده حَفنة من البطحاء فسجد عليها، ثم تفرَّق الناس من المسجد، وخرجت قريش، وقد سرّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم، يقولون: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسنِ الذكر، قد زعم فيما يتلُو:"أنها الغَرانيق العُلا، وأنَّ شَفَاعتَهُنَّ تُرتجى" وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وقيل: أسلمت قريش، فنهض منهم رجال، وتخلّف آخرون، وأتى جبريلُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا محمد، ماذا صنعتَ! لقد تلوتَ على الناس ما لم آتِكَ به عن الله عَزّ وجلَّ، وقلت ما لم
(١) رجاله ثقات إلا أن سعيد بن ميناء وإن كان ثقة فهو تابعي قد ذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - تمنّى السبيل إلى مقاربتهم (أي قومه).