كانوا أخوال أبي الحكَم بن هشام ثم دعوتَه إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدًا. قال: ويحك يا هشام! فماذا أصنع! إنَّما أنا رجلٌ واحد؛ والله لو كان معي رجلٌ آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها. قال: قد وجدْتَ رجلًا، قال: مَنْ هو؟ قال: أنا، قال له زهير: ابغِنَا ثالثًا، فذهب إلى المُطعم بن عديّ بن نوفل بن عبد مناف، فقال له: يا مطعِم، أقَدْ رَضيت أن يهلِك بَطْنان من بني عبد مناف، وأنت شاهد على ذلك، موافق لقريش فيه! أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنَّهم إليها منكم سراعًا. قال: ويحك! فماذا أصنع! إنَّما أنا رجلٌ واحد، قال: قد وجدت ثانيًا، قال: مَنْ هو؟ قال: أنا، قال: ابغنا ثالثًا، قال: قد فعلت، قال: مَنْ هو؟ قال: زهير بن أبي أمية، قال: ابغنا رابعًا، فذهب إلى أبي البختريّ بن هشام، فقال له نحوًا مما قال للمطعم بن عديّ، فقال: وهل من أحد يُعين على هذا؟ قال: نعم، قال: مَنْ هو؟ قال: زهير بن أبي أمية والمطعِم بن عديّ وأنا معك قال: ابغِنا خامسًا، فذهب إلى زَمْعة بن الأسود بن المطَّلب بن أسد، فكلّمه، وذكر له قرابتَهم وحقّهم، فقال له: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد؟ قال: نعم، ثم سمّى له القومَ. فاتّعدوا له خَطْم الحَجون الذي بأعلى مكة، فاجتمعوا هنالك، وأجمعوا أمرَهم، وتعاهدوا على القيام في الصَّحيفة حتى ينقضوها، وقال زهير: أنا أبدؤكم فأكون أوّلكم يتكلّم، فلما أصبحوا غدوْا إلى أنديتهم، وغدا زهير بن أبي أميّة، عليه حلّة له؛ فطاف بالبيت سبعًا، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهلَ مكة! أنأكل الطّعام، ونشرب الشَّراب، ونلبس الثّياب، وبنو هاشم هَلْكى لا يبايعون ولا يبتاع منهم! والله لا أقعد حتى تشقّ هذه الصحيفة القاطعة الظّالمة، قال أبو جهل- وكان في ناحية المسجد: كذبتَ، والله لا تشقّ! قال زمعة بن الأسود: أنتَ والله أكذبُ، ما رضينا كتابتها حين كتبت؛ قال أبوالبختريّ: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها ولا نُقرُّ به! قال المطعم بن عديّ: صَدَقْتما وكَذَبَ مَنْ قال غير ذلك؟ نبرأ إلى الله منها، ومما كُتِب فيها؛ وقال هشام بن عمرو نحوًا من ذلك، قال أبو جهل: هذا أمرٌ قُضي بليلٍ، وتُشوورَ فيه بغيرِ هذا المكان- وأبو طالب جالس في ناحية المسجد- وقام المطعم بن عديّ إلى الصحيفة ليشقّها؛ فوجد الأرَضَةَ قد أكلتْها؛ إلَّا ما كان من "باسمك اللهمَّ"، وهي فاتحة ما كانت تكتب قريش؛ تفتتح بها كتابها إذا كتبت.