للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر لي-: إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عليّ. وكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبلُغ قومه عنه، فيُذئرهم ذلك عليه، فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبّونه ويصيحون به؛ حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتْبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثَقِيفٍ مَنْ كان يتْبعه، فعمِد إلى ظِلِّ حَبَلةٍ من عنب، فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إليه، ويرَيان ما لقيَ من سفهاء ثقِيف. وقد لقيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - تلك المرأة من بني جُمح، فقال لها: ماذا لقينا من أحمائِك! فلما اطمأنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال - فيما ذكر لي -: اللهمَّ إليك أشكو ضعف قوّتي، وقلّة حيلَتي، وهواني على النَّاس؛ يا أرحمَ الرَّاحمين! أنتَ ربُّ المستضعَفين، وأنتَ ربِّي؛ إلى مَنْ تكلني! إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدوّ مَلَّكْتَهُ أمري؛ إنْ لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي! ولكنَّ عافيتَك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظُّلُمات، وصلَح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبُك، أو يحلَّ عليّ سخطُك، لك العُتبى حتى ترضَى، لا حول ولا قوة إلَّا بك.

فلمَّا رأى ابنا ربيعة: عُتبة وشَيبة ما لقي، تحرّكت له رحِمهما، فدعَوا له غلامًا لهما نصرانيًّا؛ يقال له: عدّاس، فقالا له: خذ قِطفًا من هذا العنَب وضعه في ذلك الطَّبَق، ثم اذهب به إلى ذلك الرّجل، فقل له يأكل منه؛ ففعل عدَّاس، ثم أقبل به حتَّى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده، قال: "باسم الله"، ثم أكل، فنظَر عدَّاس إلى وجهه، ثم قال: والله إنَّ هذا الكلام ما يقوله أهلُ هذه البلدة، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ومِن أهل أيّ البلاد أنت يا عدَّاس؟ وما دينك؟ قال: أنا نصرانيّ، وأنا رجلٌ من أهل نينَوى، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمِنْ قرية الرّجل الصّالح يونس بن متى؟ قال له: وما يدريك ما يونس بن متى؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذاك أخي، كان نبيًّا وأنا نبيّ، فأكبّ عدّاس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل رأسَه ويديه ورجليه، قال: يقول ابنا ربيعة أحدُهما لصاحبه. أمّا غلامك فقد أفسدَه عليك. فلما جاءهما عدّاس قال له: ويلك يا عدَّاس! ما لك تقبِّل رأسَ هذا الرّجل ويديه وقدميه! قال: يا سيّدي ما في [هذه] الأرض خيرٌ من هذا الرجل! لقد خبّرني بأمر لا يعلمه إلَّا نبيٌّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>