بسبسَ بن عمرو الجهنيّ، حليف بني ساعدة، وعديّ بن أبي الزّغْباء الجُهَني حليف بني النجار، إلى بَدْر، يتحسَّسان له الأخبار عن أبي سفيان بن حرب وعِيره؛ ثم ارتحل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وقد قدَّمهما؛ فلما استقبَلَ الصفْراء - وهي قرية بين جبلين - سأل عن جبليهما: ما أسماؤهما؟ فقالوا لأحدهما: هذا مُسْلِح؟ وقالوا للآخر: هذا مُخرِيء؛ وسأل عن أهلهما، فقالوا: بنو النار وبنو حُراق (بطنان من بني غِفار)، فكرههما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والمرورَ بينهما.
وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهاليهما؛ فتركهما والصَّفراء بيَسار، وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذَفِران؛ فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل.
وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمْنَعُوا عِيرهم، فاستشار النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخبرهم عن قُريش، فقامَ أبو بكر رضي الله عنه، فقال فأحسن، ثمّ قام عمر بن الخطاب فقال فأحسن، ثم قام المِقْداد بن عمرو، فقال: يا رسول الله، امضِ لما أمرك الله، فنحنُ معك؛ والله لا نقول كما قالتْ بنو إسرائيل لموسى:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}؛ ولكن اذهب أنتَ وربّك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فوالذي بعثَك بالحقّ لو سرتَ بنا إلى بَرْكِ الغِماد -يعني مدينة الحبشة- لجالدْنا معك مَن دونه حتى تبلغَه. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرًا، ودَعَا له بخير.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أشيرُوا عليّ أيها الناس -وإنما يريد الأنصار؛ وذلك أنهم كانوا عدد الناس؛ وذلك أنَّهم حين بايعوه بالعقَبة، قالوا: يا رسول الله؛ إنا برآء من ذمامك حتى تصلَ إلى دارنا، فإذا وصلت إلينَا فأنت في ذمامنا؛ نمنعك مما نمنع منه أبناءَنا ونساءَنا؛ فكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يتخوَّف ألَّا تكون الأنصار ترى عليها نُصرته، إلَّا ممن دَهِمَه بالمدينة من عدوّه، وأن ليس عليهم أن يسيرَ بهم إلى عدوّ من بلادهم - فلمّا قال ذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال له سعد بن مُعاذ: والله لكأنّك تريدنا يا رسول الله! قال: أجَلْ، قال: فقد آمنَّا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عُهُودَنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسولَ الله لمَا أردْتَ؛ فوالذي بعثك بالحقِّ إن استعرضت بنا هذا البحر فخضْتَه لخضْناه معك؛ ما تخلَّف منّا رجلٌ واحد؛ وما نكره أن تَلقى بنا عدوَّنا غدًا! إنا لَصُبُرٌ عند