ولا تبعثوا في فداء أسراكم حتى تستأنوا بهم؛ لا يتأرَّب عليكم محمد وأصحابُه في الفداء.
قال: وكان الأسود بن عبد المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده: زَمْعة بن الأسود؛ وعقيل بن الأسود، والحارث بن الأسود؛ وكان يحبّ أن يبكِيَ على بنيه؛ فبينا هو كذلك؛ إذ سمع نائحة من الليل، فقال لغلام له وقد ذهب بصره: انظر هل أحِلَّ النَّحبُ؟ هل بَكت قريش على قتلاها؟ لعلّي أبكي على أبي حكيمة -يعني زَمْعة- فإنَّ جَوْفي قد احترق! قال: فلما رجع إليه الغلام، قال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلَّتْه. قال: فذلك حين يقول:
أتَبْكي أنْ يَضِلَّ لها بَعِيرٌ ... ويَمْنَعُها مِن النَّوْمِ السُّهُودُ
فلا تَبْكي على بَكْرٍ ولكنْ ... على بَدْرٍ تَقَاصرَتِ الجدُودُ
على بَدْرٍ سَراةِ بَني هُصَيصٍ ... ومَخْزُومٍ ورَهْطِ أبي الوَلِيدِ
وبَكِّي إنْ بَكَيتِ على عَقِيلٍ ... وبَكِّي حارِثًا أسَدَ الأُسُودِ
وبَكِّيهمْ ولا تَسَمِي جَميعًا ... فما لأبي حَكِيمَةَ منْ ندِيدِ
ألا قد ساد بَعْدَهُمُ رجالٌ ... ولَوْلا يومُ بدْرٍ لَمْ يَسُودُوا
قال: وكان في الأسارى أبو وداعة بن ضُبيرة السَّهْميّ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إن له ابنًا تاجرًا كيّسًا ذا مال؛ وكأنكم به قد جاءكم في فداء أبيه! قال: فلمَّا قالت قريش: لا تعجلوا في فداء أسرائكم لا يتأرَّب عليكم محمد وأصحابه، قال المطّلب بن أبي وداعة -وهو الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنَى-: صدقتم، لا تعجلوا بفداء أسرائكم.
ثم انسلَّ من الليل، فقَدِم المدينة، فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم، ثم انطلق به، ثم بعثت قريش في فداء الأسارَى، فقدم مِكرَزُ بن حفص بن الأخيف في فداء سُهيل بن عمرو، وكان الذي أسَرَه مالك بن الدُّخْشُم، أخو بني سالم بن عوف، وكان سهيل بن عمرو أعْلَمَ من شَفَته السُّفْلَى (١). (٢: ٤٦٣/ ٤٦٤ / ٤٦٥).
١٤٣ - حدَّثنا ابنُ حميد، قال: حدَّثنا سَلَمة، قال: قال محمد بن إسحاق:
(١) إسناده ضعيف وأخرجه أحمد من طريق ابن إسحاق هذا (١٤/ ٩٨) الفتح الرباني وعبد الرزاق في المصنف (٥/ ٢٠٩). مرسلًا.