وجّهه إليه مع أصحابِ بئر معونة، وكان لهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جورٌ وعهدٌ. وقيل: إنَّ عامرَ بن الطُّفَيل كتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنك قتلت رجلين لهما منك جوارٌ وعهدٌ؛ فابعث بِديَتِهما. فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قُباء، ثم مال إلى بني النَّضير مستعينًا بهم في دِيَّتِهما، ومعه نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر وعليّ وأسيد بن حُضَير (١). (٢: ٥٥٠/ ٥٥١).
٢٠٤ - فحدَّثنا ابنُ حميد، قال: حدَّثنا سلمة، قال: حدَّثني محمد بن إسحاق، قال: خرجَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني النَّضير، يستعينهم في ديةِ ذَينِكَ القتيلين من بني عامر اللَّذَين قتل عمرو بن أمية الضَّمْريّ، للجوار الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقده لهما؛ -كما حدثني يزيد بن رُومان- وكان بين بني النَّضِير وبين بني عامر حِلْف وعقد؛ فلمَّا أتاهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يستعينهم في دِيَة ذينك القتيلين؛ قالوا: نعم يا أبا القاسم! نعينُك على ما أحببت ممِّا استعنت بنا عليه. ثم خلا بعضُهم ببعض، فقالوا: إنَّكم لن تجدوا هذا الرجل على مثل حاله هذه -ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جَنْب جدار من بيوتهم، قاعد- فقالوا: مَن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة فيقتله بها فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جِحاش بن كعب أحدهم؛ فقال: أنا لذلك، فصعِد ليلقي عليه الصخرة -كما قال- ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه؛ فيهم أبو بكر وعمر وعليّ؛ فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبَرُ من السماء بما أراد القوم، فقام وقال لأصحابه: لا تبرحوا حتى آتيَكم، وخرج راجعًا إلى المدينة، فلمَّا استلْبث رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابُه، قاموا في طلبه، فلقُوا رجلًا مقبلًا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيتُه داخلًا المدينة، فأقبل أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهوْا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يَهُود قد أرادت من الغدْر به، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتهيُّؤ لحربهم، والسير إليهم.
ثم سار بالنَّاس إليهم؛ حتى نزل بهم، فتحصَّنوا منه في الحصون، فأمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع النخل والتَّحريق فيها، فنادوْه: يا محمَّد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على مَنْ صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها!