بهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إليهم حتى لقيَهم على ماء من مياههم، يقال له: المُرَيسيع، من ناحية قُدَيد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا قتالًا شديدًا، فهزم الله بني المصطلِق، وقُتِل مَنْ قتل منهم، ونَفَّلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبناءهم ونساءهم وأموالهم؛ فأفاءهم الله عليه.
وقد أصيب رجلٌ من المسلمين من بني كلْب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر، يقال له: هشام بن صُبَابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عُبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدوّ، فقتله خطأ.
فبينا الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجيرٌ له من بني غفار يقال له: جَهْجَاه بن سعيد، يقود له فرسه، فازدحم جَهْجَاه وسِنان الجهنيّ حليف بني عَوْف بن الخزرج على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجُهَنِيُّ: يا معشرَ الأنصار! وصرخ جَهْجَاه: يا معشر المهاجرين! فغضب عبدُ الله بن أبيّ بن سَلول، وعنده رَهْط من قومه، فيهم زيد بن أرقم غلام حديث السنّ، فقال: أقد فعلوها! قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما عَدَوْنا وجلابيبَ قريش ما قال القائل:"سَمّنْ كَلْبَك يَأكُلْكَ"؛ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرِجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ! ثم أقبل على مَنْ حضره من قومه، فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم! أحللتُموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموَالكم! أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوَّلوا إلى غير بلادكم.
فسمع ذلك زيد بن أرقم، فمشى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك عند فراغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عدوِّه. فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله مُرْ به عَبَّاد بن بشْر بن وَقْش فليقْتله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فكيف يا عُمَرُ إذا تحدَّث الناس: أَن محمدًا يقتل أصحابه! لا، ولكن أذّن بالرحيل - وذلك ساعة لم يكن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يرتحل فيها- فارتحل الناس، وقد مشى عبد الله بن أبيّ بن سَلول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بلغه أنّ زيد بن أرقم قد بلّغه ما سمع منه. فحلف بالله: ما قلت ما قال، ولا تكلَّمت به -وكان عبد الله بن أبيّ في قومه شَرِيفًا عَظِيمًا- فقال مَنْ حضر رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه من الأنصار: يا رسولَ الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل! حَدبًا على عبد الله بن أبيّ، ودفعًا عنه.