قتادة وعبد الله بن أبي بكر، قالا: قدِم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عُطارد بن حاجب بن زرارة بن عُدَس التميمي في أشراف من تميم، منهم الأقرع بن حابس، والزّبرقان بن بدر التميميّ ثم أحد بني سعد، وعمرو. بن الأهتم، والحُتات (١) بن فلان، ونعيم بن زيد، وقيس بن عاصم أخو بني سعد في وفد عَظيم من بني تميم، معهم عُيينة بن حصن بن حُذيفة الفزاريّ - وقد كان الأقرع بن حابس وعُيينة بن حصْن شهدا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة وحصار الطائف، فلمّا وَفَدَ وَفْدُ بني تميم كانا معهم - فلمّا دخل وفد بني تميم المسجد، نادَوْا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - من وراء الحُجُرات: أن اُخرج إلينا يا محمد. فآذى ذلك من صياحهم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فخرج إليهم، فقالوا: يا محمد! جئناك لنفاخرَك، فأذن لشاعرنا وخطيبنا، قال: نعم، أذنت لخطيبكم فليقلْ. فقام إليه عُطارد بن حاجب، فقاله: الحمدُ لله الذي له علينا الفَضْل وهو أهله، الذي جعلنا ملوكًا، ووهب لنا أموالًا عظامًا نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثره عددًا. وأيسره عُدَّةً، فمن مثلُنا في الناس! ألسْنا برؤوس الناس وأولي فضلهم! فمن يفاخرنا فليعدّد مثل ما عدّدنا؛ وإنا لو نشاء لأكثرنا الكلام؛ ولكنا نحيا من الإكثار فيما أعطانا؛ وإنا نُعرف. أقول هذا الآن لتأتونا بمثلِ قولنا، وأمرٍ أفضلَ من أمرنا، ثم جلس. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس بن شمّاس أخي بلحارث بن الخزرج: قمْ فأجب الرجل في خطبته.
فقام ثابت، فقال: الحمدُ لله الذي السمواتُ والأرضُ خَلْقُه، قضى فيهنّ أمره، وَوسِعَ كُرْسيّه علمه. ولم يك شيء قطّ إلّا من فضله. ثم كان من قدرته أنْ جعلنا ملوكًا واصطفى من خير خلقه رسولًا أكرمهم نَسَبًا، وأصْدَقهم حَدِيثًا، وأفضلهم حَسبًا، فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على خَلْقِه؛ فكان خِيَرَةَ الله من العالمين، ثم دعا الناسَ إلى الإيمان، فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رَحِمِه؛ أكرم الناس أنسابًا، وأحسن الناس وجوهًا؛ وخير الناس فعالًا؛ ثم كان أوّل الخلق إجابةً - واستجاب لله حين دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحنُ؛ فنحنُ أنصارُ الله ووُزراء رسوله، نقَاتِل الناس حتى يؤمنوا بالله، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله وَدَمَه، ومَنْ كفر جاهدناه في الله أبدًا، وكان قتله علينا يَسِيرًا، أقول قولي هذا
(١) في سيرة ابن هشام: والحجاب بن يزيد. قال ابن هشام: الحُتات، وهو الذي آخى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين معاوية بن أبي سفيان.