تجارة له؛ حتى إذا كان بوادٍ من أوديتها، يقال له: شَنَار؛ أغار على دِحْية الهُنَيد بن عَوْص وابنه عوص بن الهُنَيد، الضُّلَيعِيَّان - والضُّلَيع: بطن من جُذام - فأصابا كلّ شيء كان معه؛ فبلغ ذلك نفرًا من بني الضبَيب قوم رفاعة ممنّ كان أسلَم وأجاب، فنفروا إلى الهُنَيد وابنه، فيهم من بني الضُبيب النُّعمان بن أبي جِعال، حتى لقُوهم، فاقتتلوا، وانتمى يومئذ قُرَّةُ بن أشْقَر الضَّفاريّ ثم الضُّلَيعيّ، فقال: أنا ابن لُبْنَى؛ ورمى النُّعمان بن أبي جِعال بسهم فأصاب رُكبَتَه، فقال حين أصابه: خُذْها وأنا ابن لُبنى - وكانت له أمٌ تدعى لُبنى - قال: وقد كان حسّان بن مَلَّة الضُبَيبيّ قد صحب دِحية بن خليفة الكلبيّ قبل ذلك؛ فعلّمه أمَّ الكتاب؛ فاستنقذوا ما كان في يد الهُنيد وابن عوص، فردُّوه على دِحية؛ فسار دحْية حتى قدِم على رسولِ الله، فأخبره خبره، واستسقاه دم الهُنيد وابنه؛ فبعث إليهم رسول الله زيد بن حارثة - وذلك الذي هاج غزوة زيد جُذَامًا، وبعث معه جيشًا - وقد وجَّهت غطفان من جُذام كلّها ووائل ومَنْ كان من سَلامان وسعد بن هُذَيم حين جاءهم رفاعة بن زيد بكتاب رسول الله؛ فنزلوا بالحَرَّة؛ حرَّة الرجلاء، ورفاعة بن زيد بكُرَاع رَبَّة ولم يعلم، ومعه ناسٌ من بني الضبيب وسائر بني الضّبيب بوادٍ من ناحية الحَرَّة ممَّا يسيل مُشَرِّقًا، وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية الأولاج، فأغار بالفَضَافِض من قِبَل الحرّة، وجمعوا ما وجدوا من مال وأناس، وقتلوا الهُنَيد وابنه ورجُلَين من بنيِ الأحنف، ورجلًا من بني خَصِيب؛ فلمّا سمعت بذلك بنو الضُّبيب والجيش بفيفاء مَدَان؛ ركب حسّان بن ملّة على فرس لسُويد بن زيد يقال لها: العَجَاجة، وأنَيف بن ملّة على فرس لملّة، يقال لها: رِغال، وأبو زيد بن عمرو على فرس له يقال لها: شَمِر؛ فانطلقوا حتى إذا دنوْا من الجيش؛ قال أبو زيد لأنَيف بن مِلَّة: كفّ عنا وانصرِفْ؛ فإنا نخشى لسانَك، فانصرف فوقف عنهما، فلم يبعدا منه؛ فجعل فرسُه تبحث بيدها وتوثّب؛ فقال: لأنا أضنُّ بالرجلين منك بالفرسَين؛ فأرخَى لها حتى أدركهما؛ فقالا له: أمّا إذْ فعلت ما فعلت، فكفّ عنا لسانك ولا تشأمْنا اليوم، وتواطؤوا ألَّا يتكلم منهم إلَّا حسان بن مَلَّة؛ وكانت بينهم كلمة في الجاهلية؛ قد عرفوها؛ بعضهم من بعض؛ إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه قال:"ثوري".
فلمَّا برزوا على الجيش أقبل القومُ يبتدرونَهم؛ فقال حسان: إنا قوم مسلمون؛