وكان أوّلَ مَنْ لقيهم رجلٌ على فرس أدْهم بائع رمحه يقول معرِّضُه: كأنما ركزه على منسج فرسه جدّ وأعتق؛ فأقبل يسوقهم، فقال أنيف:"ثوري"، فقال حسان: مهلًا! فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال له حسَّان: إنا قوم مسلمون، فقال له زيد: فاقرأ أمّ الكتاب، فقرأها حسان، فقال زيد بن حارثة: نادوا في الجيش، إنّ الله قد حَرَّمَ علينا ثُغرة القوم التي جاؤوا منها إلا من ختَر؛ وإذا أختٌ لحسان بن ملّة - وهي امرأة أبي وبْر بن عديّ بن أمية بن الضُّبيب - في الأسارى. فقال له زيد: خذها، فأخذت بحَقْويه، فقالت أمُّ الفَزْر الضُّلَيعية: أتَنْطلقون ببناتكم، وتَذَرُون أمّهاتكم! فقال أحد بني خصيب: إنها بنو الضّبيب! وسحرت ألسنَتهم سائر اليوم؛ فسمعها بعضُ الجيش؛ فأخبر بها زيد بن حارثة؛ فأمر بأخت حسان؛ ففُكَت يداها من حَقْويه، فقال لها: اجلسي مع بنات عَمّك حتى يحكم الله فيكنّ حكمه؛ فرجعوا؛ ونهى الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاؤوا منه، فأمسَوْا في أهليهم؛ واستعتموا ذَوْدًا لسويد بن زيد؛ فلما شربوا عَتمتَهُمْ ركبوا إلى رفاعة بن زيد؛ وكان ممن ركب إلى رفاعة تلك الليلة أبو زيد بن عمرو وأبو شمَّاس بن عمرو، وسويد بن زيد، وبعْجة بن زيد، وبَرْذع بن زيد، وثعلبة بن عمرو، ومَخْربة بن عديّ، وأنيف بن ملّة، وحسّان بن ملّة، حتى صبَّحُوا رفاعة بن زيد بكراع ربَّةَ بظهر الحرّة على بئر هنالك من حَرَّة ليلى، فقال له حسان بن ملّة: إنك لجالسٌ تحلُبُ المِعْزَى ونساء جذام يُجْرَرْنَ أسارى قد غَرَّها كتابك الذي جئت به! فدعا رفاعة بن زيد بجمل له؛ فجعل يشكل عليه رحله؛ وهو يقول:
* هل أنت حيٌّ أو تُنَادي حيًّا *
ثم غدا وهم معه بأميّة بن ضفارة أخي الخصيبيّ المقتول مبكّرين من ظهر الحرّة، فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال؛ فلما دخلوا؛ انتهوا إلى المسجد، ونظر إليه رجلٌ من الناس، مقال لهم: لا تُنيخوا إبلَكم فتقطع أيديهنّ، فنزلوا عنها وهن قيامٌ؛ فلمّا دخلُوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورآهم، ألاح إليهم بيده: أن تعالوا من وراء الناس؛ فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق قام رجلٌ من الناس، فقال: إنّ هؤلاء يا نبيّ الله قومٌ سَحرةٌ؛ فرددها مرّتين؛ فقال رفاعة: رحمَ الله من لم يَجْزنا في يومنا هذا إلا خيرًا! ثم دفع رفاعة كتابه إلى رسول الله الذي كان كتبه