للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَينَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَينَا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: ١٢١ - ١٢٣].
وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت، ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام فقال: "قاتلهم الله .. والله ما استقسما بالأزلام قط". لم يخرجه مسلم. وفي بعض ألفاظ البخاري: "قاتلهم الله ... لقد علموا أن شيخنا لم يستقسم بها قط". [البخاري / كتاب الأنبياء / ح ٣٣٥٢] و [الحج / ١٦٠١].
وقوله: {أُمَّةً} أي قدوة إمامًا مهتديًا داعيًا إلى الخير، يُقتدى به فيه {قَانِتًا لِلَّهِ} أي خاشعًا له في جميع حالاته وحركاته وسكناته {حَنِيفًا} أي مخلصًا على بصيرة {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} أي قائمًا بشكر ربه بجميع جوارحه من قلبه ولسانه وأعماله {اجْتَبَاهُ} أي اختاره الله لنفسه واصطفاه لرسالته، واتخذه خليلًا، وجمع له بين خيري الدنيا والآخرة.
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} يرغب تعالى في اتباع إبراهيم - عليه السلام -، لأنه كان على الدين القويم والصراط المستقيم، وقد قام بجميع ما أمره به ربه، ومدحه تعالى بذلك فقال: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} ولهذا اتخذه الله خليلًا، والخلة هي غاية المحبة كما قال بعضهم:
قد تخللت مسلك الروح مني ... وبذا سُمّي الخليل خليلا
وهكذا نال هذه المرتبة خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد صلوات الله وسلامه عليه، كما ثبت في الصحيحين وغيرهم من حديث جندب البجلي وعبد الله بن عمرو وابن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أيها الناس .. إن الله اتخذني خليلًا". وقال أيضًا في آخر خطبة خطبها: "أيها الناس .. لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن صاحبكم خليل الله". أخرجاه من حديث أبي سعيد. [البخاري / ح ٣٩٠٤] ومسلم [٢/ ٢٣٨٢].
وثبت أيضًا من حديث عبد الله بن الزبير وابن عباس وابن مسعود. وروى البخاري في صحيحه: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن عمرو بن ميمون، قال: إن معاذًا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} فقال رجل من القوم: لقد قرت عين أم إبراهيم! .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبيّ، حدثنا محمود بن خالد السلمي، حدثنا الوليد، عن إسحاق بن يسار قال: لما اتخذ الله إبراهيم خليلًا ألقى في قلبه الوجل، حتى إن كان خفقان قلبه ليسمع من بعد كما يسمع خفقان الطير في الهواء.
وقد ذكره الله تعالى في القرآن كثيرًا في غير ما موضع بالثناء عليه والمدح له، فقيل: إنه =

<<  <  ج: ص:  >  >>