فهم أوّل مَنْ عَبَد الله في الأرض وآمن بالله وبالرسول؛ وهم أولياؤه وعشيرته، وأحقُّ الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم، وأنتم يا معشرَ الأنصار، مَنْ لا ينكَر فضلُهم في الدينِ، ولا سابقتُهم العظيمة في الإسلام، رضيَكم الله أنصارًا لدينه ورسوله، وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلّةُ أزواجه وأصحابه؛ فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحدٌ بمنزلتكم؛ فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تُفْتاتون بمشورة، ولا نقضي دونكم الأمور.
قال: فقام الحُبَابُ بن المنذر بن الجموح، فقال: يا معشر الأنصار! املكوا عليكم أمرَكم؛ فإنّ الناس في فيئكم وفي ظِلّكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافِكم؛ ولن يُصدِر الناس إلّا عن رأيكم، أنتم أهل العزّ والثرْوَة، وأولو العَدد والمَنعة والتجربة، ذوو البأس والنجْدة؛ وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون، ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيُكم؛ وينتقض عليكم أمركم، فإن أبي هؤلاء إلّا ما سمعتم؛ فمنّا أمير ومنهم أمير.
فقال عمر: هيهات لا يجتمع اثنان في قَرن! والله لا ترضى العرب أن يؤمّروكم ونبيها من غيركم؛ ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرَها مَنْ كانت النبوّة فيهم ووَلي أمورهم منهم؛ ولنا بذلك على مَنْ أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين؛ مَنْ ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته. ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مُدْلٍ بباطل، أو مُتَجَانِف لإثم، ومتورِّط في هَلَكة!
فقام الحُباب بن المنذر فقال: يا معشرَ الأنصار! املكُوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر؛ فإن أبوْا عليكم ما سألتموه، فاجلُوهم عن هذه البلاد، وتولَّوا عليهم هذه الأمور؛ فأنتم والله أحقُّ بهذا الأمر منهم؛ فإنه بِأسيافكم دانَ لهذا الذين مَنْ دان ممّن لم يكن يدين؛ أنا جُذَيلُها المُحَكَّك، وعُذيقُها المُرَجَّب! أمَّا والله لئن شئتم لنعيدنّها جذَعَةً؛ فقال عمر: إذًا يقتلك الله! قال: بل إياك يقتل!
فقال أبو عبيدة: يا معشرَ الأنصار! إنكم أوّل مَنْ نصر وآزرَ؛ فلا تكونوا أوّل مَنْ بدّل وغيّر.
فقام بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير فقال: يا معشرَ الأنصار! إنا والله لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين، وسابقة في هذا الدّين؛ ما أردنا به إلّا رضا