ربنا وطاعة نبينا؛ والكَدْحَ لأنفسنا، فما ينبغي لنا أن نستطيل على النّاس بذلك، ولا نبتغي به من الدنيا عرَضًا؛ فإن الله وليّ المنة علينا بذلك؛ ألا إنّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من قريش، وقومُه أحقّ به وأولى. وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدًا، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم!
فقال أبو بكر: هذا عمر، وهذا أبو عبيدة، فأيَّهما شئتم فبايعوا. فقالا: لا والله لا نتولّى هذا الأمر عليك؛ فإنك أفضلُ المهاجرين وثاني اثنين إذْ هما في الغار، وخليفةُ رسول الله على الصّلاة؛ والصَّلاةُ أفضلُ دين المسلمين؛ فمن ذا ينبغي له أن يتقدّمك أو يتولّى هذا الأمر عليك! ابسُط يدك نبايعك.
فلما ذهبا ليبايعاه، سبقهما إليه بشير بن سعد، فبايعه، فناداه الحُباب بن المنذر: يا بشير بن سعد! عَقّتك عَقاقِ؛ ما أحوجَك إلى ما صنعت، أنَفِسْتَ على ابن عمّك الإمارة! فقال: لا والله! ولكني كرهت أن أنازع قومًا حقًّا جعله الله لهم.
ولما رأت الأوسُ ما صنع بشير بن سعد، وما تدعُو إليه قريش، وما تطلبُ الخزرجُ من تأمير سعد بن عبادة؛ قال بعضهم لبعض، وفيهم أسَيد بن حُضير - وكان أحدَ النقباء -: والله لئن وليَتْها الخزرج عليكم مرّة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة؛ ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبًا أبدًا، فقوموا فبايعوا أبا بكر. فقاموا إليه فبايعوه، فانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم.
قال هشام: قال أبو مخنف: فحدّثني أبو بكر بن محمد الخُزاعيّ: أن أسلمَ أقبلتْ بجماعتها حتى تضائقَ بهم السكك، فبايعوا أبا بكر؛ فكان عمر يقول: ما هو إلّا أن رأيتُ أسلم، فأيقنتُ بالنّصر.
قال هشام، عن أبي مخنف: قال عبدُ الله بن عبد الرحمن: فأقبَل الناس من كلّ جانب يبايعون أبا بكر، وكادوا يطؤون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدًا لا تطؤوه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله! ثم قام على رأسه، فقال: لقد هممتُ أن أطأكَ حتى تُنْدَر عَضُدك، فأخذ سعد بلحية عمر، فقال: والله لو حصصتَ منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة؛ فقال أبو بكر: مهلًا يا عمر! الرّفْقُ ها هنا أبلغ. فأعرض عنه عمر. وقال سعد: أما والله لو أنّ بي