حُسىً؛ فخرج عليهم الرّدء بأنحاء قد نفخوها، وجعلوا فيها الحبال، ثم دَهْدهوها بأرجلهم في وجوه الإبل؛ فتدهده كل نِحْي في طوَله، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها -ولا تنفر الإبل من شيء نفارَها من الأنحاء- فعاجت بهم ما يملكونها؛ حتى دخلت بهم المدينة؛ فلم يُصْرَعْ مسلمٌ ولم يُصَبْ؛ فقال في ذلك الخُطَيل بن أوس أخو الحُطيئة بن أوس:
فظنَّ القومُ بالمسلمين الوهَن، وبعثوا إلى أهل ذي القَصَّة بالخبر، فقدموا عليهم اعتمادًا في الذين أخبروهم، وهم لا يشعرون لأمر الله عزّ وجلّ الذي أراده، وأحبّ أن يبلغه فيهم، فبات أبو بكر ليلَته يتهيّأ، فعبَّى الناس، ثم خرج على تَعْبيةٍ من أعجاز ليلته يمشي، وعلى ميمنته النُّعمان بن مُقرِّن، وعلى ميسرته عبد الله بن مقرّن، وعلى السَّاقة سُويد بن مقرّن معه الرُّكّاب؛ فما طلَع الفجر إلّا وهُم والعدوُّ في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين هَمْسًا ولا حسًّا حتى وضعوا فيهم السيوف، فاقتتلوا أعجاز ليلتهم؛ فما ذَرّ قَرْن الشَّمس حتى ولَّوْهم الأدبارَ، وغلبوهم على عامّة ظهرهم؛ وقتل حبال، واتّبعهم أبو بكر؛ حتى نزل بذي القَصّة -وكان أوّل الفتح- ووضع بها النعمان بن مقرّن في عدد، ورجع إلى المدينة فذلّ بها المشركون؛ فوثب بنو ذُبيان وعبس على مَن فيهم من المسلمين؛ فقتلوهم كلّ