لبني حنيفة؛ وبلغ ذلك مسيلمة فهابها؛ وخاف إن هو شغل بها أن يغلبه ثُمامة على حَجْر، أو شرحبيل بن حَسَنة، أو القبائل التي حولَهم، فأهدى لها؛ ثم أرسل إليها يستأمنها على نفسه حتى يأتيَها. فنزلت الجنود على الأمواه، وأذِنَتْ له، وآمَنته؛ فجاءها وافدًا في أربعين من بني حَنيفة - وكانت راسخةً في النَّصرانيّة، قد علمت من علم نصارى تغلب - فقال مُسيلمة: لنا نصف الأرض؛ وكان لقريش نصفها لو عدلَتْ؛ وقد ردّ الله عليك النّصف الذي رَدَّتْ قريش؛ فحبَاك به، وكان لها لو قبلتْ. فقالت:"لا يردّ النّصف إلّا مَنْ حَنَف، فاحمل النّصف إلى خيل تراها كالسَّهَف" فقال مسيلمة: "سمع الله لمن سمع، وأطمعه بالخير إذ طمع؛ ولا زال أمره في كلّ ما سرّ نفسه يجتمع. رآكم ربُّكم فحيَّاكم، ومن وحشة خلّاكم؛ ويوم دينه أنجاكم. فأحياكم علينا من صلوات معشر أبرار، لا أشقياء ولا فجّار، يقومون الليل ويصومون النهار، لربّكم الكُبار، ربّ الغيوم والأمطار".
وقال أيضًا:"لمّا رأيت وجوههم حَسُنَت، وأبشارهم صفت، وأيديهم طَفُلَت؛ قلت لهم: لا النساء نأتون، ولا الخمر تشربُون؛ ولكنَّكم معشر أبرار، تصومون يومًا، وتكلفون يومًا؛ فسبحان الله! إذا جاءت الحياة كيف تحيَوْن، وإلى ملك السماء ترقَوْن! فلو أنها حبّة خرْدَلة؛ لقام عليها شهيد يعلم ما في الصدور، ولأكثر الناس فيها الثبور".
وكان ممَّا شرَع لهم مسيلمة: أنّ من أصاب ولدًا واحدًا عقبًا لا يأتي امرأة إلى أن يموت ذلك الابن فيطلب الولد؛ حتى يصيب ابنًا ثم يُمْسِك؛ فكان قد حرَّم النِّساء على من له ولد ذَكر.
رجع الحديث إلى حديث سيف. فصالحها على أن يحمل إليها النّصف من غَلّات اليمامة، وأبت إلّا السنة المقبْلة يُسْلفها؛ فباح لها بذلك؛ وقال: خَلّفِي على السلف مَنْ يجمعه لك، وانصرفي أنتِ بنصف العام؛ فرجع فحمل إليها النّصف، فاحتملتْه وانصرفتْ به إلى الجزيرة، وخَلَّفَتِ الْهَذيل، وعقَّة، وزيادًا؛ لينجز النّصف الباقي؛ فلم يفجأهم إلا دُنُوّ خالد بن الوليد منهم؛ فارفضّوا. فلم تزل سَجاح في بني تَغْلب؛ حتى نقلهم معاوية عامَ الجماعة في زمانه؛ وكان معاوية حين أجمع عليه أهلُ العراق بعد عليّ - عليه السلام - يُخرِج من