للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٥ - قال أبو جعفر؛ فيما كتب به إليَّ السريُّ بن يحيى؛ يذكر عن شعيب ابن إبراهيم: أنَّه حدّثه عن سيف بن عمر، عن خزيمة بن شَجرة العُقْفانيّ، عن عثمان بن سويد، عن سُويد بن المثعبة الرّيَاحيّ؛ قال: قدم خالد بن الوليد البُطاح، فلم يجدْ عليه أحدًا، ووجد مالكًا قد فرّقهم في أموالهم، ونهاهم عن الاجتماع حين تردّد عليه أمره، وقال: يا بني يَربوع! إنَّا قد كنا عصينا أمراءنا إذ دعوْنا إلى هذا الدين، وبَطَّأنا الناس عنه فلم نُفْلح ولم نُنْجِح، وإنِّي قد نظرتُ في هذا الأمر، فوجدتُ الأمر يتأتَّى لهم بغير سياسة، وإذا الأمر لا يسوسه الناس؛ فإيَّاكم ومناوأة قوم صُنع لهم؛ فتفرّقوا إلى دياركم وادخلوا في هذا الأمر. فتفرّقوا على ذلك إلى أموالهم، وخرج مالك حتى رجع إلى منزله. ولما قدم خالد البطاح بثَّ السَّرايا وأمرهم بداعية الإسلام أن يأتُوه بكلّ مَن لم يُجِب، وإن امتنع أن يقتلوه، وكان ممَّا أوصى به أبو بكر: إذا نزلتُم منزلًا؛ فأذّنُوا وأقيموا؛ فإن أذّن القوم وأقاموا فكفُّوا عنهم؛ وإن لم يفعلوا فلا شيءَ إلّا الغارة؛ ثم اقتلوهم كلَّ قِتْلة؛ الحرْق فما سواه؛ وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم؛ فإن أقرُّوا بالزكاة فاقبلوا منهم؛ وإن أبَوْها فلا شيء إلّا الغارة ولا كلمة. فجاءته الخيل بمالك بن نُويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع، من عاصم وعبيد وعرين وجعفر، فاختلفت السريّة فيهم، وفيهم أبو قتادة؛ فكان فيمَن شهد: أنَّهم قد أذّنوا، وأقاموا، وصلُّوا. فلمَّا اختلفوا فيهم، أمر بهم فحُبِسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء؛ وجعلت تزداد بَرْدًا، فأمر خالدٌ مناديًا فنادى: "أدفئوا أسراكم"، وكانت في لغة كنانة إذا قالوا: دَثّروا الرجل فأدفئوه، دِفْئُه قتله وفي لغة غيرهم: أدْفِه فاقتله، فظنّ القوم - وهي في لغتهم القتل - أنه أراد القتل، فقتلوهم، فقتل ضرارُ بن الأزور مالكًا، وسمع خالد الواعية، فخرج وقد فرغوا منهم، فقال: إذا أراد الله أمرًا أصابه.

وقد اختلف القوم فيهم، فقال أبو قتادة: هذا عملُك، فَزَبَره خالد،

فغضب، ومضَى، حتى أتى أبا بكر فغضب عليه أبو بكر، حتى كلَّمه عمر فيه، فلم يرضَ إلّا أن يرجع إليه، فرجع إليه حتى قدم معه المدينة، وتزوج خالدٌ أم تميم ابنة المنهال، وتركها لينقضي طُهْرها، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وتعايَره، وقال عمر لأبي بكر. إنّ في سيفِ خالد رَهَقًا، فإن لم يكن هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>