أما خليفة بن خياط فقد روى ثلاث روايات في تأريخه حول هذا الموضوع اثنان منها بسند ضعيف والآخر بسند صحيح ومتنه لا غرابة فيه ولا نكارة. أما الأول: [ص ١٠٤ من قوله: وحدثنا علي بن محمد عن أبي زكريا ... إلى قوله .. فأمر بقتلهم] وهذا إسناد ضعيف. فسعيد بن إسحاق مجهول كما قال الحافظ في اللسان. أما الرواية الثانية (ص ١٠٥): من قوله (وحدثنا بكر عن ابن إسحاق قال ... إلى قوله ثم صلينا وصلّوا). وفي إسناده طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر. قال عنه الحافظ في التقريب (مقبول) أي: إذا توبع، وهو لم يتابع هنا، أضف إلى ذلك فإن في إسناده اضطرابًا، فهو عند خليفة بن خياط عن طلحة عن أبي قتادة (١٠٥) وعند الطبري (عن طلحة مرسلًا). فهو لم يلق أبا قتادة. أما الرواية الثالثة (١٠٥) فقد قال خليفة: وحدثنا علي بن محمد عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: قدم أبو قتادة على أبي بكر فأخبره بمقتل مالك وأصحابه، فجزع من ذلك جزعا شديدًا فكتب أبو بكر إلى خالد فقدم عليه فقال أبو بكر هل يزيد خالد على أن يكون تأوّل فأخطأ. وردّ أبو بكر خالدًا. وودى مالك بن نويرة، وردّ السبي والمال. وهذا إسناد صحيح- وإن كان في متنه بعض الشيء من الغرابة. فإن مالكًا إن كان قد ارتدّ عن الإسلام فلا دية في قتله وإن كان مسلمًا وقتله خالد ظلما وهذا غير صحيح فما كان لأبي بكر أن يبقي خالدًا في القيادة وقد قتل رجلًا بغير حق، إلّا أن المخرج والتأويل لهذه الغرابة أن يؤخذ بقول الرواة الذين قالوا باختلاف جنود المسلمين (مع خالد) حول أمرهم (أي بني مالك مع زعيمهم مالك بن نويرة) فمنهم من قال بإسلام مالك كأبي قتادة ومنهم من شهد ببقائه مرتدًا فالتبس أمره على المسلمين فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بالأحوط (أي كونه قتل خطأ وهو مسلم رجع عن ردته). فوجبت له الدية والله أعلم. وعدالة خالد رضي الله عنه وبلاءه الحسن في الإسلام وماله من فضل الصحبة والتضحية وقيادة الجيوش بنفسه في أحلك الظروف وشربه للسم إسكاتًا لأعداء الله ومجالدته للعدو وفي قلب جيوشه كل ذلك يتنافى مع الأباطيل التي لُفِقتَ حول شخصية خالدٍ رضي الله عنه وأنه قتل مالك بن نويرة ليتزوج امرأته. ولا بأس هنا أن ننقل كلام الكوثري رحمه الله: كان مالك بن نويرة قدم المدينة وأسلم فاستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على جباية زكاة قومه ولذلك ذكره من ذكره في عداد الصحابة، وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - خان العهد والتحقق بسجاح المتنبئة وأبي دفع الزكاة مرارًا وتكرارًا عند مناقشته في ذلك واجترأ أن يقول كذا وكذا فمثل خالد رضوان الله عليه في صرامته وحزمه ضد أهل الردة (وهو شاهد يرى ما لا يراه الغائب) إذا قسا على مثل مالك هذا لا يُعدّ أنه اقترف ذنبًا، والقتل =