تمضمض منه، ثم مجّ فيه فنقلوه فأفرغوه في آبارهم. فغارت مياه تلك الآبار، وخَوَى نخلُهم؛ وإنما استبان ذلك بعد مهلكه.
وقال له نهار: بَرِّك على مولودي بني حنيفة، فقال له: وما التبريك؟ قال: كان أهلُ الحجاز إذا ولد فيهم المولود أتوْا به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فحنَّكه ومسح رأسه؛ فلم يؤتَ مسيلمة بصبيّ فحنَّكه ومسح رأسه إلّا قَرع ولَثِغ واستبان ذلك بعد مهلَكه.
وقالوا: تَتَبَّعْ حيطَانهم كما كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يصنع فصلّ فيها. فدخل حائطًا من حوائط اليمامة، فتوضأ، فقال نهار لصاحب الحائط: ما يمنعك من وَضُوء الرحمن فتسقيَ به حائطَك حتى يَرْوَى ويبتلّ، كما صنع بنو المهريَّة، أهل بيت من بني حنيفة -وكان رجل من المهريَّة قدم على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأخذ وَضوءَه فنقله معه إلى اليمامة فأفرغه في بئره، ثم نزع وسقى، وكانت أرضه تَهُوم فَرويتْ وجَزَأتْ فلم تُلْفَ إلا خضْراء مُهْتَزّةٌ - ففعل فعادت يَبَابًا لا ينبت مرعاها.
وأتاه رجُلٌ، فقال: ادْعُ الله لأرضي فإنَّها مُسْبخةٌ؛ كما دعا محمد - صلى الله عليه وسلم - لسُلمى على أرضه. فقال: ما يقول يا نهار؟ فقال: قدم عليه سلمى، وكانت أرضه سبخة فدعا له، وأعطاه سَجْلًا من ماء، ومجّ له فيه، فأفرغه في بئره، ثم نزع، فطابت وعَذُبَتْ؛ ففعل مثل ذلك فانطلق الرّجُل، ففعل بالسَّجْل كما فعل سلمى، فغرقت أرضه، فما جفّ ثراها، ولا أدرك ثمرها.
وأتته امرأة فاستجلبته إلى نَخْل لها يدعو لها فيها، فجزّت كبائسها يوم عَقْرَباء كلَّها؛ وكانوا قد علموا واستبان لهم؛ ولكن الشَّقاء غلَب عليهم. (٣: ٢٨٢/ ٢٨٣ / ٢٨٤/ ٢٨٥ / ٢٨٦).
٦٣ - كتب إليّ السريّ، قال: حدَّثنا شُعيب عن سيف، عن خُلَيد بن ذفرة النَّمَريّ، عن عمير بن طلحة النَّمرِيّ، عن أبيه، أنَّه جاء اليمامة، فقال: أين مُسيلمة؟ قالوا: منه! رسول الله! فقال: لا، حتَّى أراه؛ فلمَّا جاءه، قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم، قال: مَنْ يأتيك؟ قال: رحمن، قال: أفي نور أو في ظلمة؟ فقال: في ظلمة، فقال: أشهد: أنَّك كذاب، وأنّ محمدًا صادق؛ ولكنّ كَذاب ربيعة أحبّ إلينا من صادقِ مُضَر، فقتل معه يوم عقرَباء. (٣: ٢٨٦).
٦٤ - كتب إليّ السريّ عن شُعيب، عن سيف، عن الكلبي مثله؛ إلّا أنه قال: