ذلك منهم حتى اسْتَعْدَوْا عليهم؛ فقال: أنتظر الّذي يأتي من السماء فيكم وفيهم. ثم قال لهم:"والليل الأطحم، والذئب الأدلم، والجَذَع الأزلم، ما انتهكت أسَيّدٌ من مَحْرَم"؛ فقالوا: أما مَحْرم استحلالُ الحَرَم وفساد الأموال! ثم عادوا للغارة، وعادوا للعُدوى فقال: أنتظر الذي يأتيني، فقال:"والليل الدّامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسَيِّد من رَطْب ولا يابس"؛ فقالوا: أمَّا النخيل مُرْطبة فقد جَدُّوها، وأمَّا الجدران يابسة فقد هَدَموها؛ فقال: اذهبوا وارجعوا فلا حقّ لكم.
وكان فيما يقرأ لهم فيهم:"إنّ بني تميم قوم طهر لَقَاحٌ، لا مكروه عليهم ولا إتاوة، نجاورهم ما حيينا بإحسان، نمنعهم من كلّ إنسان؛ فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن".
وكان يقول:"والشاء وألوانها، وأعجبها السود وألبانها. والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب مَحْض، وقد حرِّم المذق، فما لكم لا تمجّعون؟ ! ".
وكان يقول:"يا ضفدع ابنة ضفدع، نُقِّي ما تَنقِّين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدّرين".
وكان يقول:"والمبذّرات زَرْعًا، والحاصدات حَصْدًا، والذاريات قمحًا، والطاحنات طحنًا، والخابزات خُبزًا، والثاردات ثردًا؛ واللاقمات لقمًا، إهالة وسمنًا، لقد فضِّلتُم على أهل الوَبر، وما سبقكم أهل المَدَر؛ رِيفكم فامنعوه، والمعترَّ فآووه، والباغي فناوئوه".
قال: وأتته امرأة من بني حنيفة تكنى بأمّ الهيثم فقالت: إنّ نخلنا لسُحُق، وإن آبارَنا لجُرُز؛ فادع الله لمائنا ولنخلنا كما دعا محمد لأهل هَزْمان". فقال: يا نَهارُ ما تقول هذه؟ فقال: إنّ أهل هَزْمان أتوْا مَحمدًا - صلى الله عليه وسلم - فشكَوْا بُعْد مائهم؛ -وكانت آبارهم جُرزًا- ونخلهم أنَّها سُحُق، فدعا لهم فجاشت آبارهم، وانْحَنَتْ كلّ نخلة قد انتهت حتى وضعت جرانها لانتهائها، فحكَّت به الأرض حتى أنْشَبَتْ عروقًا ثم قُطِعت من دون ذلك، فَعَادت فسيلًا مكمَّمًا ينمي صاعدًا. قال: وكيف صنع بالآبار؟ قال: دَعا بسَجْل، فدعا لهم فيه، ثم تمضمض بفمه منه، ثم مَجَّهُ فيه، فانطلقوا به حتى فرَّغوه في تلك الآبار، ثم سَقَوْه نخلهم، ففعل النبيّ ما حدَّثتك، وبقيَ الآخر إلى انتهائه. فدعا مُسَيلمة بدلْوٍ من ماء فدعا لهم فيه، ثم