للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَا ابن أشياخ وسَيفي السَّختْ ... أعظمُ شيء حين يأتيك النفتْ

ولا يبرزُ له شيء إلا أكله، ودارت رحا المسلمين وطحنت. ثم نادى خالد حين دنا من مُسَيلمة -وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنّ مع مسيلمة شيطانًا لا يعصيه، فإذا اعتراه أزْبَدَ كأنّ شدقيه زبيبتَان لا يهمّ بخير أبدًا إلا صرفه عنه، فإذا رأيتم منه عَوْرة؛ فلا تُقيلوه العَثْرَة -فلمَّا دنا خالدٌ منه طلب تلك، ورآه ثابتًا ورحاهم تدور عليه؛ وعرف: أنَّها لا تزول إلا بزواله، فدعا مسيلمة طلبًا لعورته، فأجابه، فعرض عليه أشياء ممَّا يشتهي مسيلمة، وقال: إن قبلنا النّصف، فأيَّ الإنصاف تعطينا؟ فكان إذا همَّ بجوابه أعرض بوجهه مستشيرًا، فينهاه شيطانه أن يقبلَ، فأعرضَ بوجهه مرّة من ذلك، وركبه خالدٌ فأرهقه فأدبر، وزالوا فذمَرَ خالد النَّاس، وقال: دونكم لا تقيلوهم! وركبوهم فكانت هزيمتهم؛ فقال مسيلمة حين قام، وقد تطاير النَّاس عنه، وقال قائلون: فأين ما كنتَ تَعِدُنا؟ فقال: قاتِلُوا عن أحسابكم، قال: ونادى المحكَّم: يا بني حنيفة! الحديقة الحديقة! ويأتي وحشيٌّ على مسيلمة وهو مُزْبِدٌ متساندٌ لا يعقل من الغيظ، فخرَط عليه حربَته فقتله، واقتحم النَّاس عليهم حديقةَ الموت من حيطانها وأبوابها، فقُتِل في المعركة، وحديقة الموت عشرة آلاف مقاتل. (٣: ٢٩٣/ ٢٩٤).

٧٣ - كتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن هارون، وطلحة، عن عمرو بن شعيب، وابن إسحاق: أنهم لما امتازوا وصبروا، وانحازت بنو حنيفةَ تبِعهم المسلمون يقتلونهم؛ حتى بلَغوا بهم إلى حديقة الموت، فاختلفوا في قتل مُسيلمةَ عندها، فقال قائلون: فيها قُتل، فدخلوها وأغلقوها عليهم، وأحاط المسلمون بهم وصرخ البَراء بن مالك، فقال: يا معشَر المسلمين! احملوني على الجِدَار حتى تطرحوني عليه؛ ففعلوا حتى إذا وضعوه على الجدار نظر وأرعِد فنادى: أنزلوني، ثم قال: احملوني؛ ففعل ذلك مرارًا ثم قال: أفّ لهذا خَشِعًا! ثم قال: احملوني، فلمَّا وضعوه على الحائط اقتحم عليهم، فقاتلهم على الباب حتَّى فتحه للمسلمين وهم على الباب من خارج فدخلوا؛ فأغلق الباب عليهم، ثم رمَى بالمفتاح من وراء الجدار، فاقتتلوا قتالًا شديدًا لم يرَوْا مثله، وأبيَر من في الحديقة منهم؛ وقد قتل الله مسيلمة، وقالت له بنو حنيفة: أين ما كنت تعدنا! قال: قاتلوا عن أحسابكم! (٣: ٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>