للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخرج معه متوجِّهًا نحو جبل خَوْلان -وهم أخوال فيروز- فسبقا الخيول إلى الجبل، ثم نزلا، فتوقَّلا وعليهما خِفافٌ ساذجة، فما وصلا حتى تقطَّعت أقدامهما، فانتهيا إلى خُوْلان وامتنع فيروز بأخواله، وآلى ألّا ينتعل ساذجًا، ورجعتْ الخيول إلى قيس؛ فثار بصنعاء فأخذها، وجَبَى ما حولها، مقدّمًا رِجلًا ومؤخِّرًا أخرى، وأتته خيول الأسود. ولمَّا أوى فيروز إلى أخواله خَوْلان فمنعوه وتأشَّب إليه الناس، كتب إلى أبي بكر بالخَبَر. فقال قيس: وما خولان! وما فيروز! وما قَرَار أوَوْا إليه! وطابق على قيس عوامُّ قبائل مَن كتب أبو بكر إلى رؤسائهم، وبقي الرؤساء معتزلين، وعمَد قيسٌ إلى الأبناء ففرّقهم ثلاث فرق: أقرّ مَنْ أقام وأقرّ عياله، وفرّق عيال الذين هربوا إلى فيروز فرقَتَيْن؛ فوجَّه إحدَاهما إلى عَدَن؛ ليُحمَلوا في البحر، وحمل الأخرى في البرّ، وقال لهم جميعًا: الحقوا بأرضكم؛ وبعث معهم مَنْ يسيِّرهم؛ فكان عيال الديلميّ ممّن سُيِّر في البَرّ وعيال داذويه ممن سُيّرَ في البحر؛ فلمَّا رأى فيروز أن قد اجتمع عوامّ أهلِ اليمن على قيس؛ وأنَّ العيال قد سيِّروا وعرَّضهم للنّهب، ولم يجد إلى فراق عسكره في تنقّذهِم سبيلًا؛ وبلغه ما قال قيس في استصغاره الأخوال والأبناء، فقال فيروز منتميًا ومفاخرًا وذكر الظُّعْن:

ألا ناديا ظُعْنا إلى الرّمْل ذي النَّخْلِ ... وقولا لها ألَّا يُقالَ ولا عُذْلِي

وما ضَرَّهم قولُ العُدَاةِ لو أنّه ... أتى قَوْمه عن غير فحش ولا بَخْلِ

فَدَعْ عنك ظُعنًا بالطريق التي هَوَتْ ... لطيّحها صمْدَ الرِّمَالِ إلى الرَّمْلِ

وإنّا وإن كانت بصَنْعَاءَ دارُنا ... لنا نَسْلُ قوم مِنْ عَرانينهم نَسْلي

وللدَّيْلَمُ الرّزَّامُ من بعد باسِل ... أبى الخفضَ واخْتَارَ الحَرور على الظِّلّ

وكانت مَنَابِيتُ العراق جسَامُها ... لرَهْطي إذا كسرى مَرَاجِلُهُ تغْلِي

وباسِلُ أَصلِي إن نَمَيْتُ ومَنْصبي ... كما كلُّ عود مُنْتهاه إلى الأصل

هُمُ تَرَكُوا مَجْرايَ سَهْلًا وحَصّنوا ... فجاجي بحسن القَوْلِ والحَسَبِ الجزْلِ

فما عزّنا في الجَهْل من ذي عَدَاوة ... أبى الله إلا أَنْ يعزّ على الجَهْلِ

ولا عاقبا في السَّلْم عن آل أَحْمَد ... ولا خسَّ في الإسلام إذ أسْلَمُوا قَبْلي

وإنْ كان سجْلٌ من قَبيلي أرَشّني ... فإني لَرَاجٍ أن يُغَرِّقَهمْ سَجْلِي

وقام فيروز في حربه، وتجرّد لها، وأرسل إلى بني عُقَيْلِ بن ربيعة بن

<<  <  ج: ص:  >  >>