بَهمن جاذَوَيْه، وهو بقُسْيَانا -وكان رافدَ فارس في يوم كمن أيام شَهْرهم وبنوْا شهورَهم كلَّ شهر على ثلاثين يومًا، وكان لأهل فارس في كلّ يوم رافد قد نُصب لذلك يرفدُهم عند الملك، فكان رافدهم بَهْمَن روز- أن سِر حتى تقدَم ألّيس بجيشك إلى مَن اجتمع بها من فارس ونصارى العرب. فقدّم بَهْمَن جاذويه جابان وأمره بالحثّ، وقال: كفكفْ نفسك وجندَك من قتال القوم حتى ألحق بك إلّا أنْ يُعجلوك. فسار جابان نحو ألّيس؛ وانطلق بَهْمَن جاذويه إلى أردشير ليُحْدِث به عهدًا، وليستأمره فيما يريد أن يشيرَ به، فوجده مريضًا؛ فعرَّج عليه، وأخلَى جابان بذلك الوجه، ومضى حتى أتى أليْس، فنزل بها في صفَر، واجتمعت إليه المسالح التي كانت بإزاء العرب؛ وعبد الأسود في نصارى العرب من بني عِجْل وتيمْ اللات وضُبَيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة؛ وكان جابر بن بجير نصرانيًا، فساند عبد الأسود؛ وقد كان خالد بلغه تجمُّع عبد الأسود وجابر وزُهير فيمنْ تأشَب إليهم، فنَهد لهم، ولا يشعر بدنوّ جابان، وليست لخالد همة إلّا من تجمّع له من عَرَب الضّاحية ونصاراهم؛ فأقبل فلمَّا طلع على جابان بأليْس؛ قالت الأعاجم لجابان: أنعاجلهم أم نغَدّي الناس ولا نريهم أنا نحفِل بهم، ثم نقاتلهم بعد الفراغ؟ فقال جابان: إن تركوكم والتَّهاون بكم فتهاونوا، ولكن ظنّي بهم أن سيعجلونكم ويعجّلونكم عن الطعام. فعصوه وبسطوا البُسُط ووضعوا الأطعمة، وتداعوْا إليها، وتوافوْا عليها. فلمَّا انتهى خالد إليهم، وقف وأمر بحطّ الأثقال، فلمَّا وُضِعت توجَّه إليهم، ووكَّل خالد بنفسه حوامي يحمُون ظهره، ثم بَدَرَ أمام الصفّ، فنادى: أين أبجر؟ أين عبد الأسود؟ أين مالك بن قيس؟ رجلٌ من جَذْرة؛ فنكَلُوا عنه جميعًا إلّا مالكًا، فبرز له، فقال له خالد: يا بنَ الخبيثة، ما جرَّأك على من بينهم، وليس فيك وفاء! فضربه فقتله، وأجهض الأعاجمَ عن طعامهم قبل أن يأكلوا؛ فقال جابان: ألم أقل لكم يا قومُ! أما والله ما دخلَتْني من رئيس وحشة قطُ حتى كان اليوم؛ فقالوا حيث لم يقدروا على الأكل تجلّدًا: نَدعها حتى نفرغ منهم، ونعود إليها. فقال جابان: وأيضًا أظنكم والله لهم وضعتموها وأنتم لا تشعرون؛ فالآن فأطيعوني؛ سُمّوها؛ فإن كانت لكم فأهوْنُ هالكٍ، وإن كانت عليكم كنتم قد صنعتم شيئًا؛ وأبلَيْتم عذرًا. فقالوا: لا، اقتدارًا عليهم. فجعل جابان على مجنَّبتَيْه عبد الأسود وأبجر؛ وخالد على تعبئته في الأيام التي قبلها، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، والمشركون يزيدهم كَلَبًا وشدَّةً