١٤٢ - وشاركهم في هذا الحديث من هذا المكان محمد بن أبي السَّفَر عن ذي الجوشن الضِّبابيّ، وأمَّا الزهريّ فإنه حدثنا به، فقال: شاركهم في هذا الحديث رجل من الضِّباب.
قالوا: وكان مع ابن بُقيلة مَنْصفٌ له فعلّق كيسًا في حَقوِه، فتناول خالد الكيس، ونثر ما فيه في راحته، فقال: ما هذا يا عمرو؟ قال: هذا وأمانة الله سَمّ ساعة، قال: لِمَ تحتقب السمّ؟ قال: خشيت أن تكونوا على غير ما رأيتُ، وقد أتيتُ على أجلي، والموت أحبُّ إليّ من مكروه أدخله على قومي وأهل قريتي. فقال خالد: إنَّها لن تَموت نفسٌ حتى تأتيَ على أجلِها، وقال: بسم الله خير الأسماء، ربّ الأرض وربّ السماء، الذي ليس يضرّ مع اسمه داء، الرحمن الرحيم. فأهَوْوا إليه ليمنعوه منه، وبادرهم فابتلعه، فقال عمرو: والله يا معشَر العرب لتملكُنّ ما أردتم ما دام منكم أحد أيّها القَرن! وأقبل على أهل الحيرة، فقال: لم أر كاليوم أمرًا أَوضحَ إقبالًا!
وأبى خالد أن يكاتبَهم إلّا على إسلام كرامةَ بنت عبد المسيح إلى شُوَيل؛ فثقُل ذلك عليهم، فقالت: هوّنوا عليكم وأسلموني، فإنّي سأفتدي. ففعلوا؛ وكتب خالد بينه وبينهم كتابًا: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عاهد عليه خالد بن الوليد عديًّا، وعمرًا ابنيْ عديّ، وعمرو بنَ عبد المسيح، وإياس بنَ قَبيصة، وحيريّ بن أكّال -وقال عبيد الله: جبريّ- وهم نقباء أهل الحيرة؛ ورضيَ بذلك أهلُ الحيرة، وأمروهم به- عاهدهم على تسعين ومئة ألف درهم، تُقبَل في كلّ سنة جزاءً عن أيديهم في الدنيا؛ رهبانهم وقسّيسهم؛ إلّا مَن كان منهم على غير ذي يدٍ، حبيسًا عن الدنيا، تاركًا لها- وقال عبيدُ الله: إلّا من كان غير ذي يد حبيسًا عن الدنيا، تاركًا لها - أو سائحًا تاركًا للدنيا، وعلى المنَعة، فإن لم يمنعهم فلا شيء عليهم حتى يمنعهم، وإن غدروا بفعل أو بقوْل فالذمَّه منهم بريئة. وكُتِب في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة، ودفع الكتاب إليهم.
فلما كفر أهل السَّواد بعد موت أبي بكر استخفُّوا بالكتاب، وضيَّعوه، وكفروا فيمن كفر، وغلب عليهم أهل فارس، فلما افتتح المثنَّى ثانية؛ أدْلَوْا بذلك، فلم يجبْهم إليه، وعاد بشرط آخر؛ فلما غلب المثنَّى على البلاد كَفَروا