فقال: أيّ الوجوه أحبّ إليكم؟ قالوا: الشأم فإنّ أسلافنا بها، فقال: بل العراق؛ فإنّ الشأم في كفاية؛ فلم يزل بهم، ويأبوْن عليه حتى عزم على ذلك؛ وجعل لهم ربع خُمس ما أفاء الله على المسلمين إلى نصيبهم من الفيء، فاستعمل عَرْفجة على مَن كان مقيمًا على جَديلة من بَجيلة، وجريرًا علَى مَن كان من بني عامر وغيرهم؛ وقد كان أبو بكر ولّاه قتالَ أهل عُمان في نفر، وأقفله حين غزا في البحر، فولّاه عمر عُظْم بَجيلة، وقال: اسمعوا لهذا، وقال للآخرين: اسمعوا لجرير، فقال جرير لبَجيلة: تُقِرُّون بهذا - وقد كانت بَجيلة غضبت على عَرْفجة في امرأة منهم - وقد أدخل علينا ما أدخل! فاجتمعوا فأتوا عُمر، فقالوا: أعْفِنا من عَرْفجة، فقال: لا أعفيكم من أقدمكم هجرةً وإسلامًا، وأعظمكم بلاءً وإحسانًا، قالوا: استعمل علينا رجلًا منَّا، ولا تستعمل علينا نزيعًا فينا، فظنّ عمر أنَّهم يَنفونه من نسبه، فقال: انظروا ما تقولون! قالوا: نقول ما تسمع؛ فأرسل إلى عرفجة، فقال: إنّ هؤلاء استعْفوني منك، وزعموا أنَّك لست منهم، فما عندك؟ قال: صدقوا، وما يسُرّني أني منهم. أنا امرؤ من الأزد، ثم من بارق، في كَهْف لا يُحْصَى عدده، وحَسَبٍ غير مُؤتَشَب. فقال عمر: نِعْمَ الحيُّ الأزد! يأخذون نصيبَهم من الخير والشرّ. قال عرفجة: إنه كان من شأني أن الشرّ تفاقم نينا، ودارُنا واحدة؛ فأصبنا الدّماء، ووتر بعضنا بعضًا، فاعتزلتهم لمَّا خِفتهم، فكنت في هؤلاء أسودُهم وأقودُهم، فحفِظوا عليّ لأمر دار بيني وبين دهاقينهم، فحسدوني وكفروني. فقال: لا يضرّك فاعتزلهمْ إذْ كرهوك. واستعمل جريرًا مكانه، وجمع له بَجيلة، وأرى جريرًا وبَجيلة أنَّه يبعث عَرْفجة إلى الشأم، فحبَّب ذلك إلى جرير العراق، وخرج جرير في قومه ممدًّا للمثنَّى بن حارثة، حتى نزل ذا قار، ثم ارتفع حتى إذا كان بالجُلّ والمتنَّى بمرْج السِّباخ، أتى المثنَّى الخبرُ عن حديث بشير وهو بالحيرة: أن الأعاجم قد بعثوا مِهران، ونهض من المدائن شاخصًا نحو الحيرة. فأرسل المثنَّى إلى جرير وإلى عصمة بالحثّ، وقد كان عهد إليهم عمر ألّا يعبروا بحرًا ولا جسرًا إلّا بعد ظفَر، فاجتمعوا بالبُوَيب، فاجتمع العسكران على شاطئ الْبُوَيب الشرقيّ، وكان البويب مغيضًا للفرات أيام المدود أزمانَ فارس، يصبّ في الجوف، والمشركون