وأفعموا جنبتي البُوَيب عظامًا، حتى استوى وما عفَّى عليها إلّا التراب أزمان الفتنة، وما يثار هنالك شيء إلَّا وقعوا منها على شيء؛ وهو ما بين السَّكون ومُرْهبة وبني سُليم؛ وكان مَغيضًا للفرات أزمان الأكاسرة يصبّ في الجوْف. وقال الأعور العَبْديّ الشَّنّيّ:
سما لمِهْرَانَ والجيشِ الَّذي معه ... حتى أبادَهُمُ مَثْنَى ووُحْدانا
قال أبو جعفر: وأما ابن إسحاق، فإنه في أمر جرير وعرفجة والمثنّى وقتال المثنَّى مهرانَ غير ما قصّ سيف من أخبارهم؛ والذي قال في أمرِهم ما حدّثنا محمد بن حُمَيد، قال: حدّثنا سَلَمة عن ابن إسحاق، قال: لمَّا انتهت إلى عمر بن الخطاب مصيبةُ أصحاب الجسر، وقدم عليه فَلّهم؛ قدِم عليه جرير بن عبد الله البجَليّ من اليمن في ركب من بَجيلة، وعَرْفجة بن هرثمة - وكان عرفجة يومئذ سيّد بَجيلة، وكان حليفًا لهم من الأزْد - فكلّمهم عمر، فقال لهم: إنَّكم قد علمتم ما كان من المصيبة في إخوانكم بالعراق؛ فسيروا إليهم وأنا أخرج إليكم مَن كان منكم في قبائل العرب فأجمعهم إليكم. قالوا: نفعل يا أمير المؤمنين! فأخرج لهم قيْسَ كُبَّةَ وسُحْمة وعُرَينة؛ وكانوا في قبائل بني عامر بن صعصعة، وأمَّرَ عليهم عرفجة بن هَرثمة، فغضب من ذلك جَرير بن عبد الله البَجَليّ، فقال لبَجِيلة: كلّموا أميرَ المؤمنين، فقالوا له: استعملت علينا رجلًا ليس منَّا، فأرسل إلى عَرفجة، فقال: ما يقول هؤلاء؟ قال: صدقوا يا أمير المؤمنين! لستُ منهم، ولكنّي رجل من الأزد، كنَّا أصبنا في الجاهليَّة دمًا في قومنا، فلحقْنا بَجِيلة، فبلغنا فيهم من السؤدد مَا بلغك. فقال له عمر: فاثبت على منزلتك، ودافعهم كما يدافعونك. قال: لستُ فاعلًا ولا سائرًا معهم، فسار عرفجة إلى البَصْرة بعد أن نُزلت، وترك بَجيلة، وأمَّر عمر على بَجيلة جرير بن عبد الله، فسار بهم مكانه إلى الكوفة، وضمّ إليه عمر قومَه من بَجيلة، فأقبل جرير حتى إذا مزَ قريبًا من المثنَّى بن حارثة، كتب إليه المثنَّى أن أقْبل إليَّ، فإنما أنت مَدَدٌ لي. فكتب إليه جرير: إنّي لست فاعلًا إلّا أن يأمرَني بذلك أمير المؤمنين؛ أنت أمير وأنا أمير.