مَن كلَّمه بذلك، وقال: إذا كُفيتم الرّأي، فلا تكلَّفوا؛ فإنا لن نقدِم إلّا على رأي ذوي الرّأي، فاسكتوا ما سكتنا عنكم. وبعث طليحة وعمرًا في غير خيلٍ كالطليعة، وخرج سواد وحُميضة في مئة مئة؛ فأغاروا على النَّهرين؛ وقد كان سعد نهاهما أن يُمعنا، وبلغ رستم، فأرسل إليهم خيلًا، وبلغ سعدًا أنَّ خيلَه قد وَغلت؛ فدعا عاصم بن عمرو وجابرًا الأسديّ، فأرسلهما في آثارهم يقتصّانها، وسلكا طريقَهما، وقال لعاصم: إن جَمعَكم قِتَال فأنت عليهم، فلقيهم بين النهرين وإصْطِيميا؛ وخيل أهل فارس محتوشتُهم، يريدون تخلُّص ما بين أيديهم، وقد قال سواد لُحميضة: اختَرْ؛ إمَّا أن تقيم لهم وأستاق الغَنيمة، أو أقيم لهم وتستاق الغنيمة. قال: أقِمْ لهم ونَهْنِهْهُم عنِّي، وأنا أبلِّغ لك الغنيمة؛ فأقام لهم سواد، وانجذب حُميضة، فلقيه عاصم بن عمرو، فظنّ حُميضة أنَّها خيل للأعاجم أخرى، فصدّ عنها منحرفًا؛ فلمّا تعارفوا ساقَها؛ ومضى عاصم إلى سواد - وقد كان أهل فارس تنقَّذوا بعضها - فلمَّا رأت الأعاجم عاصِمًا هربوا، وتنقَّذ سوادُ ما كانوا ارتجعوا؛ فأتوا سعدًا بالفتح والغنائم والسلامة؛ وقد خرج طُلَيحة وعمرو؛ فأمَّا طُلَيحة فأمره بعسكر رستم، وأما عمرو فأمره بعسكر الجالنوس؛ فخرج طُليحة وحْدَه، وخرج عمرو في عدّة، فبدث قيس بن هبيرة في آثارهما؛ فقال: إن لقيتَ قتالًا فأنت عليهم - وأراد إذلال طليحة لمعصيته، وأمّا عمرو فقد أطاعه - فخرج حتى تلقّى عمرًا، فسأله عن طليحة، فقال: لا علْمَ لي به، فلمَّا انتهيا إلى النَّجَف من قبل الجَوْف، قال له قيس: ما تريد؟ قال: أريد أن أغير على أدنَى عسكرهم؛ قال: في هؤلاء؟ ! قال: نعم، قال: لا أدَعك والله وذاك! أتُعرّض المسلمين لما لا يطيقون! قال: وما أنت وذاك! قال: إني أمِّرت عليك؛ ولو لم أكن أميرًا لم أدعك وذاك. وشهد له الأسود بن يزيد في نفر: أنّ سعدًا قد استعمله عليك، وعلى طليحة إذا اجتمعتم، فقال عمرو: والله يا قيس؛ إنَّ زمانًا تكون عليّ فيه أميرًا لزمانُ سوء! لأن أرجعَ عن دينكم هذا إلى ديني الَّذي كنت عليه وأقاتل عليه حتى أموت أحبُّ إليّ مِنْ أن تتأمَّر عليّ ثانية. وقال: لئن عاد صاحبك الَّذي بعثَك لمثلها لنفارقنَّه؛ قال: ذاك إليك بعد مرّتك هذه، فردّه؛ فرجعا إلى سعد بالخبرِ، وبأعلاج، وأفراس، وشكا كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه؛ أمَّا قيسٌ فشكا عصيان عمرو، وأمَّا عمرو فشكا غِلْظة قيس، فقال سعد: يا عمرو! الخبر والسلامة أحبّ إليّ من مُصاب، مئة بقتل