فأقبل في نحو من ذلك الزّيّ، حتى إذا كان على أدنى البِساط، قيل له: انزل، قال: ذلك لو جئتُكم في حاجتي؛ فقولوا لملككم: أله الحاجة أم لي؟ فإن قال: لي؛ فقد كذب؛ ورجعت وتركتكم؛ فإن قال: له، لم آتكم إلا على ما أحِبّ. فقال: دعوه، فجاء حتى وقف عليه؛ ورستم على سريره، فقال: انزل، قال: لا أفعل، فلمّا أبى سأله: ما بالك جئت ولم يجئ صاحبنا بالأمس؟ قال: إن أميرنا يحبّ أن يعدل بيننا في الشدّة والرّخاء؛ فهذه نوْبتي. قال: ما جاء بكم؟ قال: إنَّ الله عز وجلّ مَنّ علينا بدينه، وأرانا آياتِه، حتى عرفناه وكنا له منكرين. ثم أمرَنا بدُعاء الناس إلى واحدة من ثلاث؛ فأيّها أجابوا إليها قبلناها: الإسلام وننصرف عنكم، أو الجِزَاء ونمنعكم إن احتجتم إلى ذلك، أو المنابذَة. فقال: أو الموادعة إلى يوم ما؟ فقال: نعم، ثلاثًا من أمسِ. فلمَّا لم يجد عنده إلا ذلك ردّه وأقبل على أصحابه، فقال: ويْحكم! ألا ترون إلى ما أرى! جاءنا الأوّل بالأمس فغلَبنا على أرضنا، وحقَّر ما نعظِّم، وأقام فرسه على زِبْرِجنا وربَطه به؛ فهو في يُمْن الطائر، ذهب بأرضنا وما فيها إليهم، مع فضل عقله. وجاءنا هذا اليوم فوقف علينا؛ فهو في يُمْنِ الطائر، يقوم على أرضنا دوننا؛ حتى أغضَبهم وأغضبوه. فلمَّا كان من الغد أرسل: ابعثوا إلينا رجلًا، فبعثوا إليهم المغيرة بن شعبة (١). (٣: ٥١٨/ ٥١٩/ ٥٢٠/ ٥٢١).
٢٧٦ - كتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان النَّهديّ. قال: لمَّا جاء المغيرة إلى القنطرة فعَبرها إلى أهل فارس؛ حبسوه، واستأذنوا رستم في إجازته، ولم يغيِّروا شيئًا من شارتهم، تقويةً لتهاونهم؛ فأقبل المغيرة بن شعبة، والقوم في زيّهم، عليهم التّيجان والثّياب المنسوجة بالذهب، وبُسُطُهم على غَلْوة لا يصلُ إلى صاحبهم؛ حتى يمشيَ عليهم غَلْوةً؛ وأقبل المغيرة وله أربع ضفائر يمشي؛ حتى جلس معه على سريره ووسادته؛ فوثبوا عليه، فترِتروه، وأنزلوه، ومغثوه. فقال: كانت تَبْلغنا عنكم الأحلام؛ ولا أرى قومًا أسفه منكم! إنَّا معشر العرب سواءٌ؛ لا يستعبد بعضنا بعضًا إلّا أن يكون محاربًا لصاحبه؛ فظننت أنَّكم تُواسون قومكم كما نَتواسى؛ وكان أحسن من الذي صنعتم أن تُخبروني أنَّ بعضكم أربابُ بعض، وأنَّ هذا الأمر لا يستقيم