فمن أين خذلْنا قومنا العرب وأسأنا إسوتهم! فها نحن معك. فنَهد ونَهدوا، فأزالوا الَّذين بإزائهم؛ فلمّا رأى أهلُ فارس ما تلقى الفِيَلة من كتيبة أسد رَمَوْهم بحدّهم وبدر المسلمين الشَّدّة عليهم ذو الحاجب، والجالنوس، والمسلمون ينتظرون التَّكبيرة الرابعة من سعد، فاجتمعت حَلبْة فارس على أسد ومعهم تلك الفيَلة، وقد ثبتوا لهم؛ وقد كئر سعد الرّابعة، فزحف إليهم المسلمون ورحَى الحرب تدور على أسَد، وحملت الفيول على الميمنة والميسرة على الخيول؛ فكانت الخيول تُحْجِم عنها وتَحيد، وتلحّ فرسانهم على الرَّجْل يشمّسون بالخيل؛ فأرسل سعد إلى عاصم بن عمرو، فقال: يا معشَر بني تميم! ألستم أصحابَ الإبل والخيل! أما عندكم لهذه الفيَلة من حيلة! قالوا: بلى والله! ثم نادى في رجال من قومه رماةٍ وآخَرين لهم ثَقافة، فقال لهم: يا معشرَ الرماة! ذبُّوا ركبان الفيَلة عنهم بالنَّبْل، وقال: يا معشرَ أهل الثقافة استدبروا الفِيَلة، فقَطِّعُوا وُضُنها. وخرج يحميهم؛ والرّحى تدور على أسد، وقد جالت الميمنة والميسرة غير بعيد، وأقبل أصحاب عاصم على الفيلة، فأخذوا بأذنابها وذباذب توابيتها، فقَطعوا وضُنَها، وارتفع عُواؤهم؛ فما بقيَ لهم يومئذ فيل إلّا أعرِيَ، وقُتل أصحابها، وتقابل الناس ونُفِّس عن أسد، وردّوا فارسَ عنهم إلى مواقفهم؛ فاقتتلوا حتى غربت الشمس. ثمَّ حتى ذهبت هَدأة من الليل؛ ثم رجع هؤلاء وهؤلاء؛ وأصيب من أسد تلك العشيّة خمسمئة؛ وكانوا ردءًا للنَّاس؛ وكان عاصم عادية النَّاس وحاميتهم؛ وهذا يومها الأوّل وهو يوم أرماث (١). (٣: ٥٣٩/ ٥٤٠).
٣٠٢ - كتب إليّ السريُّ عن شعيب، عن سيف، عن الغصن، عن القاسم، عن رجل من بني كنانة، قال: جالت المجنَّبات، ودارت على أسد يوم أرماث فقتِل تلك العشيَّة منهم خمسمئة رجل؛ فقال عمرو بن شَأس الأسديّ:
جَلَبْنَا الخيْلَ من أكنافِ نِيقٍ ... إلى كِسْرَى فوافَقَها رِعالا
تَرَكْنَ لهم على الأقسام شجْوًا ... وبالْحَقْوَيْنِ أيَّامًا طِوالا
وداعيةٍ بفارِسَ قد تَرَكْنا ... تبَكَي كُلّما رَأتِ الهِلالا